الأربعاء، 22 يونيو 2016

سلسلة ( المعنى الإجمالي ) 3/ 6: طاعة ولاة الأمر

طاعة ولاة الأمر

أولاً : النصوص القرآنية والنبوية الواردة :

قال الله ـ جل شأنه ـ : (( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )) [1] [2] .
2ـ عن عبدالله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية )) . رواه البخاري ومسلم [3] .
3ـ وعنه ـ رضي الله عنه ـ أنه سمع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : (( من خلع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية )) . رواه مسلم [4] .
4ـ وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر ، فإنه من فارق الجماعة شبرًا فمات فميتةٌ جاهلية )) . رواه البخاري ومسلم [5] [6] .
5ـ وعن أبي بكرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( من أكرم سلطان الله ـ تبارك وتعالى ـ في الدنيا أكرمه الله يوم القيامة ، ومن أهان سلطان الله ـ تبارك وتعالى ـ في الدنيا أهانه الله يوم القيامة )) رواه الترمذي وأحمد ، ولفظه لأحمد [7] .
6ـ وعن تميم الداري ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : (( الدين النصيحة )) ، قلنا : لمن يا رسول الله ؟ قال : (( لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم )) . رواه مسلم [8] [9] .
7ـ وعن عياض بن غَنْم ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( من أراد أن ينصح لسلطان بأمر ؛ فلا يُبدِ له علانية ، ولكن ليأخذ بيده فيخلو به ، فإن قَبِل منه فذاك ، وإلا كان قد أدى الذي عليه )) . رواه أحمد [10] .
8ـ وعن عوف بن مالك ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : (( خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم )) . رواه مسلم [11] . والصلاة ـ هنا ـ بمعنى : الدعاء [12] .

ثانياً : المعنى الإجمالي :

إن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين ، إذ لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها ، فبها يأمن الناس على أرواحهم وأموالهم ، فتُحفَظ الحدود ، ويُرَدُّ المعتدي ، وتُؤَمَّن الطرق ، ويؤخذ حق المظلوم من الظالم ، وتُفصَل المنازعات والخصومات ، وتُنَفَّذ الحدود والعقوبات ، وتقام شعائر الإسلام العظام ، من صلاة وحج وزكاة وصيام ، ويُحفَظ حق الضعيف ، ويُسعى على الأرامل والمحتاجين ، إلى آخر المصالح الجليلة ، التي جعلت للإمامة المنزلة العَلِيَّة في الشرع المطهر .
وقد كان الناس قبل بعثة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في تفرق ونزاع ، وتناحر وخصام ، يرون الانقياد والطاعة مذلة ، والاجتماع على القيادة ضعف ومهانة ، فلما أكرم الله الأمة ببعثة نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؛ دانت له الجزيرة كلها ، وانقادت له ، لأنه نبي ، ورأوا أن الطاعة لا تكون إلا لنبي ، فخشي ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ من أن تعود الأمور بعد وفاته كما كانت ، فيتفرق الناس ، ويرفضون الانقياد والطاعة ، فترجع الحياة فوضى ، فشدد في مسألة الإمامة والسمع والطاعة أيما تشديد ، وأكثر الكلام فيها وأعاد ، كما سمعتم في النصوص السابقة ، وغيرها كثير مما لم يذكر [13] .
فهذبت النفوس ، ورأت الطاعة للولاة ـ في غير المعصية ـ عبادة ، وقربة إلى الله ـ تعالى ـ ، ورأت أن كل ما فيه توقير لهم وتعظيم وإكرام ؛ هو من صميم دين الإسلام ، قال سهل بن عبدالله التستري ـ رحمه الله ـ : لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء ، فإذا عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم ، وإذا استخفوا بهذين أفسد دنياهم وأخراهم [14].
ومن توقيرهم وإجلالهم : عدم محاولة فرض الرأي عليهم ، فيكتفي الإنسان بالنصح والبيان والتوجيه ، بالأسلوب الأمثل ، الذي ينفع ولا يضر ، كما تقدم الخبر بذلك ـ قريباً ـ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
ومن توقيرهم وإجلالهم ـ أيضاً ـ : الدعاء لهم بالخير والصلاح ، والتوفيق والتسديد ، قال الإمام أحمد بن حنبل : وإني لأدعو له ـ أي : للحاكم ـ بالتسديد والتوفيق في الليل والنهار والتأييد وأرى ذلك واجباً علي [15] . وقال الإمام أبو محمد الحسن البربهاري ـ رحمه الله ـ : إذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى ، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة ـ إن شاء الله ـ [16] .
          فنسأل الله العلي الكريم ؛ أن يعين قادتنا على كل خير ، وأن يريهم الحق حقاً ويرزقهم اتباعه ، والباطلَ باطلاً ويرزقهم اجتنابه ، وأن يوفقهم لهداه ، ويجعلَ عملهم في رضاه ، ويرزقهم البطانة الصالحة الناصحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .



[1] النساء 59 .
[2] قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسيره : والظاهر ـ والله أعلم ـ أنها عامة في كل أولي الأمر من الأمراء والعلماء . تفسير القرآن العظيم ، 3/150 ، دار ابن الجوزي .
[3] صحيح البخاري ـ كتاب الأحكام ـ باب السمع والطاعة للإمام مالم تكن معصية ـ حديث رقم 7144 ، صحيح مسلم ـ كتاب الإمارة ـ باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية ـ  حديث رقم 1839 .
[4] صحيح مسلم ـ كتاب الإمارة ـ باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال وتحريم الخروج من الطاعة ومفارقة الجماعة ـ حديث رقم 1851 .
[5] صحيح البخاري ـ كتاب الفتن ـ باب قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( سترون بعدي أمورًا تنكرونها )) ـ حديث رقم 7054 ، صحيح مسلم ـ كتاب الإمارة ـ الباب السابق ـ حديث 1849 .
[6] قال الحافظ ابن حجر في تفسير المفارقة : هي كناية عن معصية السلطان ومحاربته ، قال ابن أبي جمرة : المراد بالمفارقة : السعي في حل عقد البيعة التي حصلت لذلك الأمير ولو بأدنى شيء ، فكنى عنها بمقدار الشبر ، لأن الأخذ في ذلك يؤول إلى سفك الدماء بغير حق .
وقال في تفسير الميتة الجاهلية : والمراد بالميتة الجاهلية ـ وهي بكسر الميم ـ حالة الموت كموت أهل الجاهلية ، على ضلال ، وليس له إمام مطاع ، لأنهم كانوا لا يعرفون ذلك ، وليس المراد أنه يموت كافرًا ؛ بل يموت عاصياً .
فتح الباري 16 / 438 ـ دار طيبة .
[7] جامع الترمذي ـ أبواب الفتن عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ـ باب كراهية إهانة السلطان ـ حديث رقم 2224 ، مسند الإمام أحمد ـ 5 / 42 . قال الهيثمي : رجال أحمد ثقات . مجمع الزوائد 5 / 215 .
[8] صحيح مسلم ـ كتاب الإيمان ـ باب بيان أن الدين النصيحة ـ حديث رقم 55 .
[9] قال أبو عمرو بن الصلاح : النصيحة كلمة جامعة تتضمن قيام الناصح للمنصوح له بوجوه الخير إرادة وفعلاً . قال : والنصيحة لأئمة المسلمين ؛ معاونتهم على الحق ، وطاعتهم فيه ، وتذكيرهم به ، وتنبيههم في رفق ولطف ، ومجانبة الوثوب عليهم ، والدعاءُ لهم بالتوفيق ، وحث الأغيار على ذلك . جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم ـ للحافظ أبي الفرج عبدالرحمن البغدادي ثم الدمشقي الشهير بابن رجب ـ صفحة 154 ـ دار ابن الجوزي .
[10] مسند الإمام أحمد ـ 24 / 50 ـ مؤسسة الرسالة .
[11] صحيح مسلم ـ كتاب الإيمان ـ باب خيار الأئمة وشرارهم ـ حديث رقم 1855 .
[12] قال النووي ـ رحمه الله ـ : معنى : يصلون ، أي : يدعون . شرح صحيح مسلم 12 / 245 ـ دار الفكر .
[13] نبه على هذا المعنى الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ ، فقال : كان من حول مكة من العرب لم يكن يعرف الإمارة ، وكانت تأنف أن تعطي بعضها بعضاً طاعة الإمارة ، فلما دانت لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالطاعة ، لم تكن ترى ذلك يصلح لغير النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فأمروا أن يطيعوا أولي الأمر . نقله عنه الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ في كتابه : العجاب في بيان الأسباب . 2 / 898 .
[14] تفسير القرطبي 5 / 260 ـ 261 .
[15] السنة للخلال 1 / 83 .
[16] شرح السنة ـ ص 113 ـ دار المنهاج .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق