طاعة ولاة الأمر
أولاً : النصوص القرآنية والنبوية الواردة :
1ـ قال الله ـ جل شأنه
ـ : (( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )) [1]
[2]
.
2ـ عن عبدالله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلى
الله عليه وسلم ـ : (( السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر
بمعصية )) . رواه البخاري ومسلم [3]
.
3ـ وعنه ـ رضي الله عنه ـ أنه سمع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
يقول : (( من خلع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ، ومن مات وليس في
عنقه بيعة مات ميتة جاهلية )) . رواه مسلم [4]
.
4ـ وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله
عليه وسلم ـ : (( من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر ، فإنه من فارق الجماعة
شبرًا فمات فميتةٌ جاهلية )) . رواه البخاري ومسلم [5]
[6]
.
5ـ وعن أبي بكرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله
عليه وسلم ـ : (( من أكرم سلطان الله ـ تبارك وتعالى ـ في الدنيا أكرمه الله يوم
القيامة ، ومن أهان سلطان الله ـ تبارك وتعالى ـ في الدنيا أهانه الله يوم القيامة
)) رواه الترمذي وأحمد ، ولفظه لأحمد [7]
.
6ـ وعن تميم الداري ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
قال : (( الدين النصيحة )) ، قلنا : لمن يا رسول الله ؟ قال : (( لله ولكتابه ولرسوله
ولأئمة المسلمين وعامتهم )) . رواه مسلم [8]
[9]
.
7ـ وعن عياض بن غَنْم ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى
الله عليه وسلم ـ : (( من أراد أن ينصح لسلطان بأمر ؛ فلا يُبدِ له علانية ، ولكن
ليأخذ بيده فيخلو به ، فإن قَبِل منه فذاك ، وإلا كان قد أدى الذي عليه )) . رواه
أحمد [10]
.
8ـ وعن عوف بن مالك ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله ـ صلى الله عليه
وسلم ـ قال : (( خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم ))
. رواه مسلم [11] .
والصلاة ـ هنا ـ بمعنى : الدعاء [12]
.
ثانياً : المعنى الإجمالي :
إن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين ، إذ لا قيام للدين ولا
للدنيا إلا بها ، فبها يأمن الناس على أرواحهم وأموالهم ، فتُحفَظ الحدود ،
ويُرَدُّ المعتدي ، وتُؤَمَّن الطرق ، ويؤخذ حق المظلوم من الظالم ، وتُفصَل
المنازعات والخصومات ، وتُنَفَّذ الحدود والعقوبات ، وتقام شعائر الإسلام العظام ،
من صلاة وحج وزكاة وصيام ، ويُحفَظ حق الضعيف ، ويُسعى على الأرامل والمحتاجين ،
إلى آخر المصالح الجليلة ، التي جعلت للإمامة المنزلة العَلِيَّة في الشرع المطهر
.
وقد كان الناس قبل بعثة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في تفرق ونزاع ،
وتناحر وخصام ، يرون الانقياد والطاعة مذلة ، والاجتماع على القيادة ضعف ومهانة ،
فلما أكرم الله الأمة ببعثة نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؛ دانت له الجزيرة كلها
، وانقادت له ، لأنه نبي ، ورأوا أن الطاعة لا تكون إلا لنبي ، فخشي ـ صلوات ربي
وسلامه عليه ـ من أن تعود الأمور بعد وفاته كما كانت ، فيتفرق الناس ، ويرفضون
الانقياد والطاعة ، فترجع الحياة فوضى ، فشدد في مسألة الإمامة والسمع والطاعة
أيما تشديد ، وأكثر الكلام فيها وأعاد ، كما سمعتم في النصوص السابقة ، وغيرها
كثير مما لم يذكر [13]
.
فهذبت النفوس ، ورأت الطاعة للولاة ـ في غير المعصية ـ عبادة ، وقربة
إلى الله ـ تعالى ـ ، ورأت أن كل ما فيه توقير لهم وتعظيم وإكرام ؛ هو من صميم دين
الإسلام ، قال سهل بن عبدالله التستري ـ رحمه الله ـ : لا يزال الناس بخير ما
عظموا السلطان والعلماء ، فإذا عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم ، وإذا
استخفوا بهذين أفسد دنياهم وأخراهم [14].
ومن توقيرهم وإجلالهم : عدم محاولة فرض الرأي عليهم ، فيكتفي الإنسان
بالنصح والبيان والتوجيه ، بالأسلوب الأمثل ، الذي ينفع ولا يضر ، كما تقدم الخبر
بذلك ـ قريباً ـ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
ومن توقيرهم وإجلالهم ـ أيضاً ـ : الدعاء لهم بالخير والصلاح ،
والتوفيق والتسديد ، قال الإمام أحمد بن حنبل : وإني لأدعو له ـ أي : للحاكم ـ
بالتسديد والتوفيق في الليل والنهار والتأييد وأرى ذلك واجباً علي [15]
. وقال الإمام أبو محمد الحسن البربهاري ـ رحمه الله ـ : إذا رأيت الرجل يدعو على
السلطان فاعلم أنه صاحب هوى ، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه
صاحب سنة ـ إن شاء الله ـ [16]
.
فنسأل الله العلي
الكريم ؛ أن يعين قادتنا على كل خير ، وأن يريهم الحق حقاً ويرزقهم اتباعه ، والباطلَ
باطلاً ويرزقهم اجتنابه ، وأن يوفقهم لهداه ، ويجعلَ عملهم في رضاه ، ويرزقهم
البطانة الصالحة الناصحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه ، إنه ولي ذلك والقادر
عليه ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
[2] قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ
في تفسيره : والظاهر ـ والله أعلم ـ أنها عامة في كل أولي الأمر من الأمراء
والعلماء . تفسير القرآن العظيم ، 3/150 ، دار ابن الجوزي .
[3] صحيح البخاري ـ كتاب الأحكام
ـ باب السمع والطاعة للإمام مالم تكن معصية ـ حديث رقم 7144 ، صحيح مسلم ـ كتاب
الإمارة ـ باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية ـ حديث رقم 1839 .
[4] صحيح مسلم ـ كتاب الإمارة ـ
باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال وتحريم الخروج من
الطاعة ومفارقة الجماعة ـ حديث رقم 1851 .
[5] صحيح البخاري ـ كتاب الفتن ـ
باب قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( سترون بعدي أمورًا تنكرونها )) ـ حديث
رقم 7054 ، صحيح مسلم ـ كتاب الإمارة ـ الباب السابق ـ حديث 1849 .
[6] قال الحافظ ابن حجر في تفسير
المفارقة : هي كناية عن معصية السلطان ومحاربته ، قال ابن أبي جمرة : المراد
بالمفارقة : السعي في حل عقد البيعة التي حصلت لذلك الأمير ولو بأدنى شيء ، فكنى
عنها بمقدار الشبر ، لأن الأخذ في ذلك يؤول إلى سفك الدماء بغير حق .
وقال في تفسير الميتة الجاهلية : والمراد بالميتة الجاهلية ـ وهي بكسر
الميم ـ حالة الموت كموت أهل الجاهلية ، على ضلال ، وليس له إمام مطاع ، لأنهم
كانوا لا يعرفون ذلك ، وليس المراد أنه يموت كافرًا ؛ بل يموت عاصياً .
فتح الباري 16 / 438 ـ دار طيبة .
[7] جامع الترمذي ـ أبواب الفتن
عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ـ باب كراهية إهانة السلطان ـ حديث رقم 2224
، مسند الإمام أحمد ـ 5 / 42 . قال الهيثمي : رجال أحمد ثقات . مجمع الزوائد 5 /
215 .
[8] صحيح مسلم ـ كتاب الإيمان ـ
باب بيان أن الدين النصيحة ـ حديث رقم 55 .
[9] قال أبو عمرو بن الصلاح :
النصيحة كلمة جامعة تتضمن قيام الناصح للمنصوح له بوجوه الخير إرادة وفعلاً . قال
: والنصيحة لأئمة المسلمين ؛ معاونتهم على الحق ، وطاعتهم فيه ، وتذكيرهم به ،
وتنبيههم في رفق ولطف ، ومجانبة الوثوب عليهم ، والدعاءُ لهم بالتوفيق ، وحث
الأغيار على ذلك . جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم ـ
للحافظ أبي الفرج عبدالرحمن البغدادي ثم الدمشقي الشهير بابن رجب ـ صفحة 154 ـ دار
ابن الجوزي .
[10] مسند الإمام أحمد ـ 24 / 50 ـ
مؤسسة الرسالة .
[13] نبه على هذا المعنى الإمام
الشافعي ـ رحمه الله ـ ، فقال : كان من حول مكة من العرب لم يكن يعرف الإمارة ،
وكانت تأنف أن تعطي بعضها بعضاً طاعة الإمارة ، فلما دانت لرسول الله ـ صلى الله
عليه وسلم ـ بالطاعة ، لم تكن ترى ذلك يصلح لغير النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ،
فأمروا أن يطيعوا أولي الأمر . نقله عنه الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ في كتابه :
العجاب في بيان الأسباب . 2 / 898 .
[14] تفسير القرطبي 5 / 260 ـ 261
.
[15] السنة للخلال 1 / 83 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق