الثلاثاء، 21 يونيو 2016

سلسلة ( تأملات في كلمات قرآنية ) 3/ 4: ( مالك يوم الدين )

(( مالك يوم الدين )) الفاتحة: 4

        هذه الآية، هي إحدى الآيات العظيمة، التي افتتح الله بها كتابه الكريم، وهي آيات سورة الفاتحة، السبع المثاني، التي نقرؤها أو نسمعها في كل صلاة، ففي كل ركعة من ركعاتها، نكون بين قراءة لهذه السورة، أو سماع لها.
        أخبر الله ـ عز وجل ـ في هذه الآية بأنه (( مالك يوم الدين ))، وهذه إحدى القراءات القرآنية المتواترة، وفي القراءة الأخرى: (( ملك يوم الدين ))، وهي قراءة أخرى متواترة، وكلتاهما قراءتان صحيحتان ثابتتان، وللعلماء كلام كثير في بيان أوجه الاتفاق والاختلاف، بين ملك ومالك.
        والذي يهمنا هنا، أن ذكره ـ سبحانه وتعالى ـ لملكه ليوم الدين، يورث في قلب قارئ الآية، وسامعها، كمال الخوف، والخشية، والرهبة، والتعظيم، لله ـ عز وجل ـ، وكمال الرجاء، والطمع، والرغبة، فيما عند الله ـ عز وجل ـ، فإن القارئ والسامع إذا استحضر أن مالك يوم الدين، هو الله ـ تبارك وتعالى ـ، المتصف بصفات العزة، والجلال، والجبروت، والقهر، وكمال القدرة، والعلم؛ أورثه ذلك عظيم الخوف، والرهبة، وإذا استحضر القارئ والسامع، أن مالك يوم الدين، هو الله ـ تبارك وتعالى ـ، المتصف بصفات الجمال، والرحمة، والحلم، والكرم، والعفو؛ أورثه ذلك عظيم الرجاء، والرغبة.
        وهاتان العبادتان، أعني الخوف والرجاء، هما العبادتان اللتان يجمع بينهما المؤمن، في سيره إلى الله ـ تبارك وتعالى ـ، والدار الآخرة، وهما بمنزلة الجناحين له، والعبادة الثالثة، التي تحصل في قلبه، من تفكره في معاني الصفات الإلهية، وآثارها، هي: المحبة، وهي بمنزلة الرأس، الذي يحرك الإنسان، ويشوقه للسير إلى الله ـ عز وجل ـ.
        والدين ـ هنا ـ بمعنى: الجزاء، فيوم الدين؛ هو: يوم القيامة، الذي يجزي الله ـ عز وجل ـ فيه العباد، مؤمنهم وكافرهم، برهم وفاجرهم، محسنهم ومسيئهم؛ فيقسم الناس إلى فريقين: فريق في الجنة، وفريق في السعير. يقول ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في تفسير هذه الآية: ( يوم الدين: يوم الحساب للخلائق، وهو يوم القيامة، يدينهم بأعمالهم، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، إلا من عفا عنه )[1].
        ويرد في ذهن قارئ الآية سؤال: وهو: لماذا خص الله ـ عز وجل ـ الملك في هذه الآية بيوم الدين، مع أنه ـ كما هو متقرر، وكما وصف نفسه في آيات أخرى ـ مالك كل شيء، يملك الدنيا والآخرة ؟
        والجواب على ذلك أن يقال: إن هذا اليوم، هو يوم يظهر فيه للخلق، ملك الله ـ عز وجل ـ، تمام الظهور، لأنه لا يدعي أحد من الخلق في ذلك اليوم لنفسه ملكاً، ولا يتكلم أحد إلا بإذنه، فناسب أن يضيف الله الملك إلى يوم الدين.
        يقول الله ـ عز وجل ـ: (( لمن الملك اليوم؟ لله الواحد القهار )).
        ويقول ـ سبحانه ـ: (( يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً )).
        ويقول ـ تبارك اسمه ـ: (( يوم يأت لا تَكَلَّمُ نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد )).
        ويقول ـ عز من قائل ـ: (( وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همساً )).
        وفي البخاري ومسلم، من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، قال: (( يقبض الله الأرض، ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟، أين الجبارون؟، أين المتكبرون؟ )).
        وفيهما، عنه ـ رضي الله عنه ـ، أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: (( أخنع اسم عند الله، رجل تسمى بملك الأملاك، ولا مالك إلا الله ـ تعالى ـ )).
فتَحَصَّلَ مما سبق: أن استحضار معاني هذه الآية؛ يدفع الإنسان دفعاً إلى فعل الصالحات، والإقبال عليها، وترك المنكرات، والفرار منها، وامتلاء القلب والجوارح، بأنواع الطاعات، والقربات، والعبادات.

ـ هذه المقالة نشرت في الملحق الرمضاني بجريدة البيان الإماراتية 1435 هـ





[1] أورده ابن كثير في تفسيره.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق