الأربعاء، 22 يونيو 2016

سلسلة ( المعنى الإجمالي ) 4/ 6: التوبة إلى الله ـ عز وجل ـ

التوبة إلى الله

أولاً: النصوص القرآنية والنبوية الواردة:

1ـ يقول الله ـــ عز وجل ـــ: (( وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ))[1].
2ـ ويقول ـــ سبحانه ـــ: (( يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً ))[2].
3ـ عن الأغر بن يسار المزني ـــ رضي الله عنه ـــ قال: قال رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ: (( يا أيها الناس ! توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب في اليوم مئة مرة )). رواه مسلم[3].
4ـ وعن أبي موسى الأشعري ـــ رضي الله عنه ـــ، عن النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ قال: (( إن الله ـــ تعالى ـــ يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها )). رواه مسلم[4].
5ـ وعن أنس بن مالك ـــ رضي الله عنه ـــ، أن رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ قال: (( لو أن لابن آدم وادياً من ذهب أحب أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب )). متفق عليه[5].
6ـ وعن أبي هريرة ـــ رضي الله عنه ـــ قال: قال رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ: (( من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه )). رواه مسلم[6].
7ـ وعن عبد الله بن عمر ـــ رضي الله عنهما ـــ، عن النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ قال: (( إن الله ـــ عز وجل ـــ يقبل توبة العبد ما لم يغرغر )). رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب[7].

ثانياً: المعنى الإجمالي:

       إن الله ـــ تبارك وتعالى ـــ، الذي خلقنا وخلق السماوات والأرض، الذي هو أهل ـــ سبحانه ـــ أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر، لم يحرم من عصاه، وفرّ منه، من أن يرجع إليه ويتوب، ويقبل عليه ويؤوب، بل فتح له باب التوبة، وأمره بها، وحثه عليها، فقد أمرنا ـــ سبحانه ـــ أن نتوب إليه جميعاً، وبين أن أهل الإيمان هم المنتفعون بهذه الوصية، وأن الفلاح الذي هو الخير والفوز في الدنيا والآخرة معلق بالتوبة، ثم إنه ـــ سبحانه ـــ لم يترك العباد من غير بيان التوبة التي ينبغي أن يتوبوا بها، بل بين أن العبرة بالتوبة النصوح، وهي التوبة الخالصة الصافية، التي لم يمازجها ما ينقضها ويبطلها، وذلك بأن يأتي التائب بشروطها.
        وشروط التوبة في الذنوب التي بين العبد وربه ثلاثة شروط: شرط يتعلق بالماضي، وشرط يتعلق بالحاضر، وشرط يتعلق بالمستقبل، وهذه الشروط هي: الندم على ما فات، والإقلاع حالاً عن الذنب الذي هو واقع فيه، والعزم على عدم العودة إلى الذنب مرة أخرى. فإن كان هذا الذنب من الذنوب التي بين العبد والناس، صارت الشروط أربعة، الثلاثة المتقدمة، وشرط رابع، وهو: أن يبرأ من حق صاحبها، فإن كان هذا الحق مالاً أعاده إليه، وإن كان تكلم عنه بسوء تحلله أو أثنى عليه، بحسب المناسب للحال، وهكذا[8].
        والله ـــ عز وجل ـــ يقبل توبة التائبين، فقد تاب ـــ سبحانه ـــ على قاتل المئة نفس، حين علم صدقه في التوبة[9]، وتاب ـــ سبحانه ـــ على من أتى بما هو أعظم من القتل، وهو الكفر والشرك، فتاب على من دخل الإسلام فصحب النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ، ممن كانوا كفرة مشركين، فأصبحوا خير خلق الله أجمعين، بعد الأنبياء ـــ عليهم أفضل الصلاة والتسليم ـــ، وفوق قبوله للتوبة، يفرح بها ـــ سبحانه ـــ، مع غناه عنها، وحاجتنا نحن إليها، وقد مثّل لنا النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ حال رجل أعرابي فقد راحلته التي عليها طعامه وشرابه، في أرض فلاة، فلما أيس منها، جلس إلى شجرة ينتظر الموت، فنام، فلما استيقظ، وجد الراحلة وعليها الطعام والشراب، فأخذ بخطامها، ثم قال: ( اللهم أنت عبدي وأنا ربك )، أخطأ من شدة الفرح، يقول النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ: (( فالله ـــ عز وجل ـــ أفرح بتوبة عبده المسرف، من ذلك الرجل براحلته حين وجدها ))[10].
        وكما أن الله ـــ عز وجل ـــ يقبل توبة التائبين، ويفرح بأوبة الآيبين، إلا أن الله ـــ سبحانه ـــ جعل لها حدًا تنتهي التوبة إليه، ولا تقبل بعده، وهذا الحد ينقسم إلى قسمين: الأول: حد عام لكل الخليقة، وهو: طلوع الشمس من مغربها، فعند ذاك لا يقبل الله ـــ عز وجل ـــ توبة أحد، وثانيهما: حد خاص يختلف من فرد إلى فرد، وهو: الغرغرة، أي: بلوغ الروح الحلقوم، ففي هاتين الحالتين، يغلق باب التوبة عن العبد.
        فاللهم وفقنا للتوبة النصوح، وتقبلها منا، وتجاوز عنا خطأنا وإسرافنا وتقصيرنا، وأدخلنا الجنة برحمتك، ونجنا من عذابك.
        وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، أجمعين ...





[1] سورة: النور، الآية: 31.
[2] سورة: التحريم، الآية: 8.
[3] صحيح مسلم، برقم: 7034.
[4] صحيح مسلم، برقم: 7165.
[5] صحيح البخاري، برقم: 6439. وصحيح مسلم، برقم: 2464.
[6] صحيح مسلم، برقم: 7036.
[7] جامع الترمذي، برقم: 3537. وقال الألباني في صحيح جامع الترمذي: ( حسن ).
[8] انظر في شروط التوبة: رياض الصالحين، للإمام النووي ـــ رحمه الله ـــ، صفحة: 46 ـ 47، طبعة المكتب الإسلامي.
[9] رواه البخاري، برقم: 3470. ومسلم، برقم: 7184. كلاهما من حديث أبي سعيد الخدري ـــ رضي الله عنه ـــ.
[10] أصلها في الصحيحين: البخاري، برقم: 6309. من حديث أنس ـــ رضي الله عنه ـــ. ومسلم، برقم: 7128. وهذا اللفظ موجود ـــ مثلاً ـــ في مسند أبي يعلى، برقم: 7285.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق