الثلاثاء، 21 يونيو 2016

( بحث ): الوسطية في الإسلام

الوسطية في الإسلام

        الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أجمعين، أما بعد:
        فهذا بحث مختصر، بعنوان ( الوسطية في الإسلام )، كتبته بناء على تكليف دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي، وقد حرصت فيه على بيان معنى الوسطية، وشيء من فقهها، مع ذكر نماذج متعددة تندرج تحتها، محاولاً الإكثار من النقول عن أهل العلم، مراعياً في ذلك كله الاختصار بقدر الإمكان.
        فأسأل الله ـــ عز وجل ـــ أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، أجمعين.
                                                      كتبه/
                                             عمار سعيد بن طوق المري
واعظ أول بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي
  وكان الفراغ منه يوم السبت 13/ 12/ 1436ه
           الموافق 26/ 9/ 2015م



تمهيد:
        الوسطية، التي هي: سلوك الطريق المستقيم، المتوسط بين طريقين، طريق غلو وتشدد، وطريق تفريط وتساهل: هي الحق الذي جاء من عند الله ـــ عز وجل ـــ، فهي التي أرسلت بها الرسل، وأنزلت بها الكتب، وسلكها صالحو كل أمة من الأمم، وسار عليها صالحو هذه الأمة، من الصحابة، والتابعين، ومن سار سيرهم، وسلك مسلكهم، إلى يومنا هذا، وسيسير عليه المتمسكون بهذا الهدي إلى يوم الدين.
        والانحراف عن الوسطية، يكون بسلوك أحد الطريقين السابقين: طريق الغلو والتشدد، الذي ينافي السماحة والتيسير، وطريق التفريط والتساهل، الذي ينافي الانضباط والإحكام، وكل منهما مسلك مذموم، مخالف لما شرعه الله لعباده، ومخالف للعقول السليمة، والفطر السوية.
        وهذان المسلكان: يدفع كل منهما بالآخر؛ فإذا ازداد التساهل تفلتاً وعتوًا: ازداد التشدد طغياناً وعلوًا، وإذا ازداد التشدد طغياناً وعلوًا: ازداد التساهل تفلتاً وعتوًا، وإذا خف كل واحد منهما خف الآخر.
        ولهذا؛ كان كل مسلك من المسلكين، لا يمكن أن يعالَج به المسلك الآخر؛ فلا يمكن أن يعالج التشدد بالتساهل، بل سيزيده، ولا يمكن أن يعالج التساهل بالتشدد، بل سيزيده، وأنجح الحلول وأنجعها لعلاج المشكلتين: التحذير منهما بعلم؛ مع التركيز على الدعوة إلى الوسطية الحقة، التي جاءت بها النصوص.
        والعلم مع سلوك ما يقتضيه: هو العلاج لجميع مشكلات الدنيا، فمن أراد أن يعالج الغلو والتشدد، ويعالج التفريط والتساهل، فعليه بالعلم، يقول الإمام مالك ـــ رحمه الله ـــ: ( إن أقواماً ابتغوا العبادة وأضاعوا العلم، فخرجوا على أمة محمد بأسيافهم، ولو اتبعوا العلم لحجزهم عن ذلك )[1]. ويقول الإمام سفيان الثوري ـــ رحمه الله ـــ: ( إنما العلم عندنا: الرخصة من ثقة، فأما التشديد: فيحسنه كل أحد )[2].
وحقيقة العلم في النصوص وفي كلام السلف: العلم بكلام الله، وكلام رسوله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ، بحيث إذا سمعت الآية فهمتها على مراد الله، وإذا سمعت الحديث فهمته على مراد النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ، وإذا وقعت لك الواقعة تريد فيها حكماً: عرفت فيها حكم الله ـــ عز وجل ـــ قطعاً أو ظناً، وذلك نتيجة التبصر في الوحيين بفقه السلف الصالح.
والوسطية جاءت في نصوص الكتاب والسنة، بلفظها، وبمعناها، فبلفظها: جاء لفظ الوَسَط، والأوسط، ونحوهما، وبمعناها: جاء لفظ القسط، والعدل، ونحوهما.
        وهذا البحث يدور على أمرين: الأول: التعريف بالوسطية في النصوص، واللغة، واصطلاح أهل العلم، وفقههم. والثاني: التمثيل بذكر نماذج من الشريعة تظهر معاني الوسطية من خلالها.

أولاً: الوسطية في كتب غريب الوحيين، وكتب اللغة، والمصطلحات، وفي فقه أهل العلم لها:

        الوسطية، من: الوسط، والوسط تدور معانيه على: الشيء الذي يكون بين شيئين ـــ أو أشياء ـــ يبعدان عنه مقدارًا واحدًا، وهذا يشمل الأمور الحسية، كوجود جدار بين الجدارين، فهذا الجدار يعد متوسطاً بينهما، ويشمل الأمور المعنوية، كخُلُق بين خلقين، كالإنفاق الذي لا يصل إلى حد الإسراف والتبذير، ولا ينزل إلى درجة البخل والتقتير، فهذا الإنفاق يعد متوسطاً بينهما. وبيان ذلك فيما يلي:

1ـ كتب غريب القرآن:

        وردت كلمة ( وسط ) بتصاريفها في القرآن الكريم في خمسة مواضع حصرًا[3]، وهي:
1ـ قول الله ـــ عز وجل ـــ: (( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا ))[4].
2ـ قوله ـــ سبحانه ـــ: (( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ))[5].
3ـ قوله ـــ تبارك وتعالى ـــ: (( فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة ))[6].
4ـ قوله ـــ عز وجل ـــ: (( قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون ))[7].
5ـ قوله ـــ عز مِن قائل ـــ: (( فوسطن به جمعاً ))[8].
        وهذه المواضع الخمسة، كلها تدور على المعنى المتقدم تقريره، أن الوسط هو كون الشيء بين شيئين، فالأمة الوسط خير الأمم وأعدلها ليست أمة إفراط ولا تفريط، والصلاة الوسطى تقع بين صلوات على صفات معينة، والطعام الوسط هو الطعام المعتاد الذي لا يكون من الأعلى ولا من الأدون، وأوسط القوم أعدلهم وخيرهم، فهو أوسطهم بين الأفراد، كالأمة الوسط بين الأمم، وتوسط الخيل للجمع أن تكون فيه بين أفراد هذا الجمع.
        والذي يتعلق بموضوع بحثنا هذا من بين هذه الكلمات: الموضع الأول، الذي تكلم فيه الرب ـــ سبحانه ـــ عن الأمة الوسط، والموضع الرابع، الذي تكلم فيه الرب ـــ تبارك وتعالى ـــ عن الفرد الأوسط، وكذلك الموضع الثاني، على أحد التفسيرين للصلاة الوسطى، حيث قيل: الفضلى، وقيل: التي بين صلاتين أو صلوات على صفة معينة.

وفي بيان هذين المعنيين ـــ أعني وصف أمة بأنها وسط، ووصف فرد بأنه أوسط ـــ: يقول الشيخ المراغي ـــ رحمه الله ــ: ( والوسط: العدل والخيار، والزيادة على ذلك إفراط، والنقص عنه تفريط وتقصير، وكلاهما مذموم، والفضيلة في الوسط، كما قيل:
ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد *** كلا طرفي قصد الأمور ذميم )[9].
        وقال في قوله ـــ عز وجل ـــ: (( قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون ))[10]: ( أوسطهم، أي: أرجحهم رأياً )[11].
        ويقول ابن قتيبة ـــ رحمه الله ـــ: ( (( جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ))[12]، أي: عَدْلاً خِيارًا. ومنه قوله في موضع آخر: (( قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ ))[13]، أي: خيرهم وأعدلهم. قال الشاعر:
هُمُ وَسَطٌ يَرْضَى الأنَامُ بحُكْمِهِمْ *** إذا نزلَتْ إحْدى الليالي بِمُعْظَمِ.
ومنه قيل للنبي ـــ صلى الله عليه وعلى آله ـــ: ( هو أوْسَطُ قُرَيْش حسباً )[14]، وأصل هذا: أن خير الأشياء أوساطها، وأن الغلو والتقصير مذمومان )[15].
وقال ـــ رحمه الله ـــ: ( (( قَالَ أَوْسَطُهُمْ ))، أي: خيرُهم فعلاً، وأَعْدلُهم قولاً: (( أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ )) [16]، أي: هلا تسبحون )[17].
        وبنحو ما تقدم: قال ابن عزير السجستاني ـــ رحمه الله ـــ، فقال في أوسطهم: ( أوسطهم: أعدلهم وَخَيرهمْ )[18].
        وقال في وسطاً: ( وسطاً: فِي قَوْله ـــ جلّ وَعز ـــ: (( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطاً ))[19]، أَي: عدلاً خيارًا )[20].

وأما المعاني الأخرى:
ففي الصلاة الوسطى: يقول ابن قتيبة ـــ رحمه الله ـــ: (  (( وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى ))[21]: صلاة العصر؛ لأنها بين صلاتين في النهار، وصلاتين في الليل )[22]. ويقول ابن عزيز السجستاني ـــ رحمه الله ـــ: ( الصَّلَاة الْوُسْطَى: صَلَاة الْعَصْر؛ لِأَنَّهَا بَين صَلَاتَيْنِ فِي اللَّيْل، وصلاتين فِي النَّهَار )[23]. وقيل: أي: الفضلى، ويأتي قريباً.
وفي الطعام الأوسط: يقول المراغي ـــ رحمه الله ـــ: ( والأوسط، أي: الأغلب من الطعام في البيوت، لا الدون الذي يتقشف به أحياناً، ولا الأعلى الذي يتوسع به أحياناً أخرى )[24].
وفي توسط الجمع: يقول المراغي ـــ رحمه الله ـــ: ( وسطن: أو توسطن، تقول: وسطت القوم أسطهم وسطاً: إذا صرت فى وسطهم )[25]. ويقول ابن قتيبة ـــ رحمه الله ـــ: ( أي: توسَّطن به جمعًا من الناس أغارتْ عليهم )[26].

        وأجل كتب غريب القرآن، بل أجلها على الإطلاق، كتاب الراغب الأصفهاني، المعروف بكتاب: ( المفردات في غريب القرآن )، بين فيه الراغب ـــ رحمه الله ـــ ببيان جميل شيئاً من معاني الوسط في القرآن واللغة، فقال: ( وسط:
وَسَطُ الشيءِ: ما له طرفان متساويا القدر، ويقال ذلك في: الكمّيّة المتّصلة كالجسم الواحد إذا قلت: وَسَطُهُ صلبٌ، وضربت وَسَطَ رأسِهِ بفتح السين.
ووَسْطٌ بالسّكون؛ يقال في: الكمّيّة المنفصلة، كشيء يفصل بين جسمين، نحو: وَسْطِ القومِ كذا.
والوَسَطُ: تارة يقال فيما له طرفان مذمومان؛ يقال: هذا أَوْسَطُهُمْ حسباً: إذا كان في وَاسِطَةِ قومه، وأرفعهم محلّاً، وكالجود الذي هو بين البخل والسّرف، فيستعمل استعمال القصد المصون عن الإفراط والتّفريط، فيمدح به نحو: السّواء، والعدل، والنّصفة، نحو: (( وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ))[27]، وعلى ذلك قوله ـــ تعالى ـــ: (( قالَ أَوْسَطُهُمْ )) [28].
وتارة يقال فيما له طرف محمود، وطرف مذموم، كالخير والشّرّ، ويكنّى به عن الرّذل، نحو قولهم: فلان وَسَطٌ من الرجال، تنبيهاً أنه قد خرج من حدّ الخير.
وقوله: (( حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى ))[29]، فمن قال: الظّهر؛ فاعتبارًا بالنهار، ومن قال: المغرب؛ فلكونها بين الرّكعتين وبين الأربع اللّتين بني عليهما عدد الرّكعات، ومن قال: الصّبح؛ فلكونها بين صلاة اللّيل والنهار، قال: ولهذا قال : (( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ))[30] الآية، أي: صلاته، وتخصيصها بالذّكر لكثرة الكسل عنها إذ قد يحتاج إلى القيام إليها من لذيذ النّوم، ولهذا زيد في أذانه: الصّلاة خير من النّوم، ومن قال: صلاة العصر، فقد روي ذلك عن النبيّ ـــ صلّى اللّه عليه وسلم ـــ[31]؛ فلكون وقتها في أثناء الأشغال لعامّة الناس، بخلاف سائر الصلوات التي لها فراغ، إمّا قبلها، وإمّا بعدها؛ ولذلك توعّد النّبيّ ـــ صلّى اللّه عليه وسلم ـــ فقال: (( من فاته صلاة العصر فكأنّما وتر أهله وماله ))[32] )[33].

2ـ كتب غريب السنة:

        وردت كلمة وسط بتصريفاتها في السنة في مواضع عديدة، وقد تكلم المصنفون في كتب غريب السنة في معانيها، وهي على اختلافها وتنوعها في سياقاتها: تدور على ما تقدم تقريره، من أن الوسط هو الشيء بين الشيئين أو الأشياء، ومن أقرب الوارد في السنة في كلمة الوسط إلى المعنى المراد في هذا البحث:
1ـ عن أبي الدرداء ـــ رضي الله عنه ـــ قال: سمعت رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ يقول: (( الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه )). رواه ابن ماجه[34]، والترمذي، وقال: ( هذا حديث صحيح )[35]. ومعنى أوسط أبواب الجنة: خيرها.
2ـ ما ورد في حديث سؤال هرقل لأبي سفيان ـــ رضي الله عنه ـــ، عن النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ، وفيه: ( أخبرني عما أسألك عنه من أمره، فقلت: سلني عما بدا لك، فقال: كيف نسبه فيكم ؟ فقلت: محضاً من أوسطنا نسباً ... فقال: زعمت أنه من أمحضهم نسباً، وكذلك يأخذ الله النبي إذا أخذه لا يأخذه إلا من أوسط قومه ). رواه بهذا اللفظ البيهقي في دلائل النبوة[36]، والحديث أصله في الصحيحين[37]. وقوله: أوسطناً نسباً، أي: خيرنا، وكذلك قوله: أوسط قومه، أي: خيرهم.
3ـ ما جاء في أثر رُقَيقة بنت أبي صيفي، قالت: ( فبينما أنا راقدةُ الهمّ أو مهمومة، إذا هاتف يصرخ ... ألا فانظروا منكم رجلاً وسيطاً ... ). رواه الطبراني[38]. الوسيط في القوم: المفضل فيهم.
4ـ عن جابر بن عبد الله ـــ رضي الله عنه ـــ قال: ( شهدت مع رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ الصلاة يوم العيد )، وفيه: ( فقامت امرأة من سِطَة النساء ). رواه مسلم[39]. وسِطَة النساء، أي: فضلياتهن، عند القاضي عياض، كما سيأتي قريباً، لكن قال النووي ـــ رحمه الله ـــ: ( وليس المراد بها من خيار النساء كما فسره هو، بل المراد: امرأة من وسط النساء، جالسة في وسطهن )[40].
5ـ عن أبي هريرة ـــ رضي الله عنه ـــ، عن النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ قال: (( فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة )). رواه البخاري[41]. وأوسط الجنة، أي: أفضلها، ويحتمل أن يراد باعتبار المساحة.
6ـ عن علي ـــ رضي الله عنه ـــ قال: لما كان يوم الأحزاب قال رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ: (( ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارًا، شغلونا عن الصلاة الوسطى، حين غابت الشمس )). رواه البخاري ومسلم[42]. والصلاة الوسطى، أي: الفضلى، على أحد التفسيرين لها.

وأجمع ما وجدت في كتب غريب الحديث في بيان هذه المعاني: كلام ابن الأثير ـــ رحمه الله ـــ، في كتابه ( النهاية في غريب الحديث والأثر )، الذي هو أفضل مصنف في الباب، يقول ـــ رحمه الله ـــ: ( ( وسط ): ...
وفيه: (( خير الأمور أوساطها ))[43]: كل خصلة محمودة فلها طرفان مذمومان، فإن السخاء وسط بين البخل والتبذير، والشجاعة وسط بين الجبن والتهور، والإنسان مأمور أن يتجنب كل وصف مذموم، وتجنبه بالتعري منه، والبعد عنه، فكلما ازداد منه بعدًا: ازداد منه تعرياً، وأبعد الجهات والمقادير والمعاني من كل طرفين: وسطهما، وهو غاية البعد عنهما، فإذا كان في الوسط، فقد بعد عن الأطراف المذمومة بقدر الإمكان.
وفيه: (( الوالد أوسط أبواب الجنة ))[44]، أي: خيرها، يقال: هو من أوسط قومه، أي: خيارهم، ومنه الحديث: (( أنه كان من أوسط قومه ))[45]، أي: من أشرفهم، وأحسبهم، وقد وَسُط وساطة فهو وسيط، ومنه حديث رُقيقة: (( انظروا رجلاً وسيطاً ))[46]، أي: حسيباً في قومه، ومنه سميت الصلاة الوسطى؛ لأنها أفضل الصلاة، وأعظمها أجرًا، ولذلك خُصت بالمحافظة عليها، وقيل: لأنها وسط بين صلاتي الليل وصلاتي النهار، ولذلك وقع الخلاف فيها، فقيل: العصر، وقيل: الصبح، وقيل غير ذلك )[47].
       
ومما ذكره القاضي عياض ـــ رحمه الله ـــ في كلامه عن ( و س ط )، زائدًا عن كلام ابن الأثير ـــ رحمه الله ـــ: ( قوله: (( من سِطَة النساء ))[48] ... سِطَة كل شيء: خياره وأعدله، ومنه: (( أمة وسطاً ))[49]، ومنه: (( الفردوس أوسط الجنة وأعلاها ))[50]، قيل: أفضلها، وقد يكون: أنه أوسطها مساحة، ثم هو مع ذلك أرفعها منازل، وأفضلها مراتب )[51].
       
وقال ابن قتيبة ـــ رحمه الله ـــ: ( ولذلك قيل في النبيّ ـــ عليه الصلاة والسلام ـــ: (( هو أَوْسَطهم حَسَباً ))[52]، أي: خيرُهم، ووَسط كلّ شيء خيرُه، ومنه قول الله ـــ جلَّ وعزَّ ـــ: (( وكذلك جعَلْناكم أُمَّةً وسَطاً ))[53] )[54].

وقال الزمخشري ـــ رحمه الله ـــ في معنى الوسيط في رواية: (( ألا فانظروا منكم رجلاً وسيطاً عظاماً ))[55] : ( الوسيط: أفضل القوم، من الوسط، وقد وسط وساطة، قال العرجي: كأني لم أكن فيهم وسيطا *** ولم تك نسبتي في آل عمرو )[56].


3ـ كتب اللغة:

        تقدم التنبيه على مدار تصريفات كلمة ( الوسط )، وأنه الشيء بين الشيئين أو الأشياء، وأنه العدل والقسط كذلك، وهذه جملة يسيرة مختارة من النقول عن كتب اللغة، تبين هذا الأصل، وتبين كثيرًا من استعمالات كلمة الوسط وما تصرف منها:
       
يقول ابن فارس ـــ رحمه الله ـــ: ( ( باب الواو والسين وما يثلثهما ): ( وسط ): الواو والسين والطاء: بناءٌ صحيح يدلُّ على العَدل والنصف، وأعْدلُ الشَّيءِ: أوسَطُه ووَسَطُه، قال الله ـــ عزّ وجلَّ ـــ: (( أُمَّةً وَسَطاً ))[57]، ويقولون: ضربتُ وَسَط رأسهِ بفتح السين، ووَسْطَ القوم بسكونها، وهو أوسَطُهم حَسَباً: إذا كان في واسطة قومه، وأرفعِهِم محلاًّ )[58].

ويقول الجوهري ـــ رحمه الله ـــ: ( وسط: وَسَطْتُ القومَ أسِطُهُمْ وَسْطاً وسِطَةً، أي: توسَّطْتُهُمْ. وفلانٌ وَسيطٌ في قومه: إذا كان أوْسَطَهُمْ وأرفعَهُم مَحَلاًّ. قال العَرْجِيُّ:
كأنِّي لم أكنْ فيهم وَسيطاً *** ولم تَكُ نِسْبَتي في آل عَمْرِو
والإصبع الوُسْطى.
والتَوْسيطُ: قطعُ الشيء نصفين.
والتَوسُّط بين الناس، من الوَساطَةِ.
والوَسَطُ من كلِّ شيء: أعدَلُهُ؛ قال ـــ تعالى ـــ: (( وكذلكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ))[59]، أي: عدلاً. ويقال أيضاً: شيءٌ وَسَطٌ، أي: بين الجيِّد والرديء.
وواسِطَةُ القلادةِ: الجوهرُ الذي في وَسَطها، وهو أجودها.
وواسِطُ الكور: مُقدَّمه.
ويقال: جلست وَسْط القومِ بالتسكين، لأنَّه ظرف، وجلست في وَسَطِ الدار بالتحريك، لأنَّه اسمٌ )[60].

ويقول الصغاني ـــ رحمه الله ـــ مستشهدًا بكثير من الشواهد من كلام العرب على معاني ( الوسط ): ( وسط: الوَسَط من كل شيءٍ: أعدَلُه، وقوله ـــ تعالى ـــ: (( وكذلك جَعَلْناكم أمَّةً وَسَطاً ))[61]، أي: عدلاً خياراً.
وواسِطَةُ الكُور: مقدمه، وكذلك واسطه.
وعن يعلى بن مرة بن وهب، أبى المرازم الثقفي ـــ رضي الله عنه ـــ وهو يعلى بن سيابة ـــ وسيابة أمه ـــ قال: أتت امرأة النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ بصبي فقالت: أصابه بلاء، قال: (( ناولينيه ))، فرفعته إليه، فجعله بينه وبين واسطة الرحل، ثم دعا له فَبَرَأ[62].
وقال طرفة بن العبد يصف ناقته:
وإن شِئتُ سامى واسِطَ الكُوْرِ رَأسُها *** وعامَت بِضَبْعَيها نَجَاءَ الخَفَيْدَدِ
وقال أسامة الهذلي يصف متلفاً:
تَصِيحُ جَنَادِبهُ رُكَّداً *** صِيَاح المَسَامِيرِ في الوَاسِطِ
وواسطة القلادة: الجوهر الذي في وسطها، وهو أجودها ...
ووسطت القومَ أسِطهمُ وسطاً وسِطةً: أي: توسطتهمُ، قال:
وقد وسَطْتُ مالكاً وحنظلاً *** صُيابها والعددَ المجَلْجَلا ...
وفُلانٌ وسيطٌ في قومهِ: إذا كان أوسطهمُ نسباً، وأرفعهمُ محلاً.
قال العرجيُ ـــ واسمهُ عبد اللّه بن عمر بن عمرو بن عثمانَ بن عفانَ ـــ رضي اللّه عن عثمان ـــ:
أضاعوني وأي فتىً أضاعوا *** ليومِ كريهةٍ وسدادِ ثغرِ
وصبرٍ عِندَ معترك المنايا *** وقد شرعتْ أسِنتها بنحري
أجررُ في الجوامع كل يومٍ *** فيا للِه مظلمتي وصبري
كأني لم أكنْ فيهم وسِيطاً *** ولم تَكُ نُسبتي في آلِ عمرو
والوسيطُ: المتوسطُ بين القوم ...
ويقال: جلستُ وسْطَ القومِ ـــ بالتسكين ـــ؛ لأنه ظرفٌ، وجلستُ وسَطَ الدارِ ـــ بالتحريك ـــ؛ لأنه اسمٌ.
وكلُّ موضعٍ صلحَ فيه: بين؛ فهو وسْطٌ ـــ بالتسكين ـــ، وإن لم يصلحْ فيه: بين؛ فهو وسَطٌ ـــ بالتحريك ـــ.
وقال ثعلبٌ: الفرقُ بين الوَسْطِ والوَسَطِ: أن ما كان يبينُ بين جزءٍ ـــ مثلَ الحلقةِ من الناس والسبحة والعقدِ ـــ، فهو وسْطٌ بالتسكين، وما كان مُصمتاً لا يبينُ جزءٌ، فهو وسَطٌ بالتحريك ـــ مثل وَسَطِ الدارِ والراحةِ والبُقعةِ ـــ.
قال عنترةُ بن شدادٍ العبسيُ:
ما راعني إلا حمولةُ أهلها *** وسطَ الديارِ تَسفُ حَب الخِمخمِ
ويروى: وسطَ الركاب.
وقد تُسكنُ السينُ من الوَسَطِ، وليس بجيدٍ.
وأنشد الكسائيُ في نوادره:
فِدىً لِبني خلاوَةَ عمر أمي *** لائنةٍ وقلتُ لهم فدايا
عَشيةَ أقبلتْ من كل أوبٍ *** كِنانةُ عاقدينَ لهم لِوايا
فقالوا: يا آلَ أشجعَ يومُ هيج *** فتوسطَ الدارِ ضَرباً واحتمايا
والوسطى من الأصابع: معروفةٌ.
والصلاةُ الوسطى في قوله ـــ تعالى ـــ: (( حافظوا على الصلواتِ والصلاةِ الوُسطى ))[63]، قيل: هي الفجرُ، وقيل: الظهرُ، وقيل: العصرُ، وقيل: المغربُ، وقيل: العِشاءُ. والصحيحُ: أنه صلاة العصر؛ لقولِ النبي ـــ صلى اللّه عليه وسلم ـــ يومَ الأحزابِ لعُمرَ ـــ رضي اللّه عنه ـــ: (( شغلونا عن الصلاةِ الوُسطى: صلاةِ العصرِ، مَلأ اللّهُ بيوتهم وقبورهم ناراً ))[64].
وقال ابنُ عباد: مُوسِطُ البيتِ: ما كان في وسَطهِ خاصةً.
والتوسِيطُ: أن تجعل الشيء في الوسط، وقرأ علي ـــ رضي اللّه عنه ـــ، وعمرو بن ميمونٍ، وقتادة،ُ وزيدُ بن علي، وابن أبي ليلى، وابنُ أبي عبلةَ، وأبو حيوةَ، وأبو إبراهيمِ: (( فَوَسَّطنَ به جمعاً ))[65]، بالتشديد.
والتوسيطُ ـــ أيضاً ـــ : قطعُ الشيءِ نصفينِ.
والتوسطُ بين الناس: من الوَسَاطةِ.
وتوسطَ: أخذَ الوَسَطَ بين الجيدِ والرديءِ.
قال إبراهيم بن علي بن محمد بن سلمةَ بن عامر بن هرمةَ يصفُ سخاءة:
واقذفْ بحبلكَ حيثُ نالَ بأخذِهِ *** من عُوذها واعتم ولا تتوسطِ
والتركيبُ يدلُ على العدلِ والنصفِ )[66].

4ـ كتب التعاريف والاصطلاحات:

وفي كتب التعاريف ما في كتب اللغة من بيان الكلمة، وأقتصر على النقل عن كتاب واحد، وهو كتاب ( الكليات )، يقول أبو البقاء الكفوي ـــ رحمه الله ـــ: ( الوسط في الأصل، هو: اسم للمكان الذي يستوي إليه المساحة من الجوانب في المدور، ومن الطرفين في المطول، كمركز الدائرة، ولسان الميزان من العمود، ثم استعير للخصال المحمودة، لوقوعها بين طرفي إفراط وتفريط (( وكَذَلكَ جَعَلْنَاكُم اُمَّة ً وَسَطاً ))[67]، يعني: متباعدين عن طرفي الإفراط في كل الأمور والتفريط، ثم أطلق على المتصف بها، مستوياً فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، كسائر الأسماء التي يوصف بها ... والأوسط: الخيار؛ لقوله ـــ تعالى ـــ: (( أَوْسَطُهم )) [68]، أي: خيارهم، وهو في باب الفرد مسبوق بمثل ما تأخر عنه، لا ما هو متوسط بين عددين متساويين، فإن الثاني من الثلاثة متوسط، وطرفاه ليسا بعددين، واختلف في الصلاة الوسطى، وما في حديث: (( شغلونا عن الصلاة الوسطى ))[69]: ليس المراد به الوسطى في التنزيل )[70].

5ـ معنى الوسطية، وبيان شيء من فقهها، في كلام أهل العلم.

إن من أجل ما رأيت في بيان فقه الوسطية في الشريعة، ما كتبه الإمامان الجليلان: أبو عبد الله، محمد بن أبي بكر، المعروف بابن القيم، ت 751ه ـــ رحمه الله ـــ، وأبو إسحاق، إبراهيم بن موسى، الشاطبي، ت 790 ه ـــ رحمه الله ـــ، إذ هما الإمامان المعروفان عند أهل العلم بالغوص في أعماق الشريعة وفقهها، والتبصر في مقاصدها ومآلاتها، والكلمات التالية هي من أجمع ما وقفت عليه لهما:
يقول ابن القيم ـــ رحمه الله ـــ: ( إن التعمق والتنطق والتشديد الذي نهى عنه رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ: هو المخالف لهديه، وهدي أصحابه، وما كانوا عليه، وإن موافقته فيما فعله هو وخلفاؤه من بعده: هو محض المتابعة، وإن أباها وجهلها من جهلها، فالتعمق والتنطع: مخالفة ما جاء به، وتجاوزه، والغلو فيه، ومقابله: إضاعته، والتفريط فيه، والتقصير عنه، وهما خطأ وضلالة، وانحراف عن الصراط المستقيم، والمنهج القويم، ودين الله بين الغالي فيه، والجافي عنه.
وقال علي بن أبي طالب ـــ رضي الله عنه ـــ: ( خير الناس النمط الأوسط، الذي يرجع إليهم الغالي، ويلحق بهم التالي ). ذكره ابن المبارك، عن محمد بن طلحة، عن علي.
وقال ابن عائشة: ( ما أمر الله عباده بأمر، إلا وللشيطان فيه نزعتان، فإما إلى غلو، وإما إلى تقصير ).
وقال بعض السلف: ( دين الله بين الغالي فيه والجافي عنه ).
وقد مدح ـــ تعالى ـــ أهل الوسط، بين المنحرفين، في غير موضع من كتابه، فقال ـــ تعالى ـــ: (( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً ))[71]، وقال ـــ تعالى ـــ: (( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسورًا ))[72]، وقال: (( وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرًا ))[73]، فمنع ذي القربى والمسكين وابن السبيل حقهم انحرافٌ في جانب الإمساك، والتبذير انحراف في جانب البذل، ورضاء الله فيما بينهما، ولهذا كانت هذه الأمة أوسط الأمم، وقبلتها أوسط القبل بين القبلتين المنحرفتين، والوسط دائماً محميُّ الأطراف، والخلل إليهما أسرع، كما قال الشاعر:
كانت هي الوسط المحميُّ فاكتنفت *** بها الحوادث حتى أصبحت طرفاً
فقد اتفق شرع الرب ـــ تعالى ـــ وقدره، على أن خير الأمور أوسطها )[74].

ويقول الشاطبي ـــ رحمه الله ـــ: ( الشريعة جارية في التكليف بمقتضاها على الطريق الوسط الأعدل، الآخذ من الطرفين بقسط لا ميل فيه، الداخل تحت كسب العبد من غير مشقة عليه ولا انحلال، بل هو تكليف جارٍ على موازنة تقتضي في جميع المكلفين غاية الاعتدال، كتكاليف الصلاة، والصيام، والحج، والجهاد، والزكاة، وغير ذلك مما شرع ابتداء على غير سبب ظاهر اقتضى ذلك، أو لسبب يرجع إلى عدم العلم بطريق العمل، كقوله ـــ تعالى ـــ: (( يَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ ))[75]، (( يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِر ))[76]، وأشباه ذلك.
فإن كان التشريع لأجل انحراف المكلف، أو وجود مظنة انحرافه عن الوسط إلى أحد الطرفين: كان التشريع رادًّا إلى الوسط الأعدل، لكن على وجه يميل فيه إلى الجانب الآخر؛ ليحصل الاعتدال فيه، فعلى الطبيب الرفيق أن يحمل المريض على ما فيه صلاحه، بحسب حاله وعادته، وقوة مرضه وضعفه، حتى إذا استقلت صحته: هيأ له طريقاً في التدبير وسطاً لائقاً به في جميع أحواله )[77].

ويقول الشاطبي ـــ رحمه الله ـــ كذلك: ( المسألة الرابعة: المفتي البالغ ذروة الدرجة، هو: الذي يحمل الناس على المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور، فلا يذهب بهم مذهب الشدة، ولا يميل بهم إلى طرف الانحلال.
والدليل على صحة هذا: أنه الصراط المستقيم الذى جاءت به الشريعة، فإنه قد مر أن مقصد الشارع من المكلف: الحمل على التوسط، من غير إفراط ولا تفريط، فإذا خرج عن ذلك في المستفتين: خرج عن قصد الشارع، ولذلك كان ما خرج عن المذهب الوسط مذموماً عند العلماء الراسخين.
وأيضًا؛ فإن هذا المذهب: كان المفهوم من شأن رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ وأصحابه الأكرمين، وقد رد ـــ عليه الصلاة والسلام ـــ التبتل[78]، وقال لمعاذ لما أطال بالناس في الصلاة: (( أفتان أنت يا معاذ ؟! ))[79].
وقال: (( إن منكم منفرين ))[80].
وقال: (( سددوا، وقاربوا، واغدُوا، ورُوحُوا، وشيء من الدلجة، والقصدَ القصدَ تبلُغُوا ))[81].
وقال: (( عليكم من العمل ما تطيقون؛ فإن الله لا يَمَلُّ حتى تَمَلُّوا ))[82].
وقال: (( أحب العمل إلى الله ما دام عليه صاحبه وإن قَلَّ ))[83].
ورد عليهم الوصال[84]، وكثير من هذا.
وأيضاً؛ فإن الخروج إلى الأطراف: خارج عن العدل، ولا تقوم به مصلحة الخلق، أما في طرف التشديد؛ فإنه مهلكة، وأما في طرف الانحلال؛ فكذلك أيضاً؛ لأن المستفتي إذا ذُهِبَ به مذهب العنت والحرج: بُغِّضَ إليه الدين، وأدى إلى الانقطاع عن سلوك طريق الآخرة، وهو مشاهد، وأما إذا ذُهِب به مذهب الانحلال: كان مظنة للمشي مع الهوى والشهوة، والشرع إنما جاء بالنهي عن الهوى، واتباع الهوى مهلك، والأدلة كثيرة.
فصل: فعلى هذا يكون الميل إلى الرخص في الفتيا بإطلاق: مضادًا للمشي على التوسط، كما أن الميل إلى التشديد: مضاد له أيضاً.
وربما فهم بعض الناس أن ترك الترخص تشديد؛ فلا يجعل بينهما وسطًا، وهذا غلط، والوسط هو معظم الشريعة وأم الكتاب، ومن تأمل موارد الأحكام بالاستقراء التام: عرف ذلك، وأكثر من هذا شأنه من أهل الانتماء إلى العلم: يتعلق بالخلاف الوارد في المسائل العلمية، بحيث يتحرى الفتوى بالقول الذي يوافق هوى المستفتي، بناء منه على أن الفتوى بالقول المخالف لهواه تشديد عليه، وحرج في حقه، وأن الخلاف إنما كان رحمة لهذا المعنى، وليس بين التشديد والتخفيف واسطة، وهذا قلب للمعنى المقصود في الشريعة، وقد تقدم أن اتباع الهوى ليس من المشقات التي يترخص بسببها، وأن الخلاف إنما هو رحمة من جهة أخرى، وأن الشريعة حمل على التوسط لا على مطلق التخفيف، وإلا؛ لزم ارتفاع مطلق التكليف من حيث هو حرج ومخالف للهوى، ولا على مطلق التشديد؛ فليأخذ الموفق في هذا الموضوع حذره؛ فإنه مزلة قدم على وضوح الأمر فيه )[85].

ويقول كذلك ـــ رحمه الله ـــ: ( فصل: فإذا نظرت في كلية شرعية، فتأملها، تجدها حاملة على التوسط، فإن رأيت ميلاً إلى جهة طرف من الأطراف، فذلك في مقابلة واقع أو متوقع في الطرف الآخر.
فطرف التشديد ـــ وعامة ما يكون في التخويف والترهيب والزجر ـــ: يؤتى به في مقابلة من غلب عليه الانحلال في الدين.
وطرف التخفيف ـــ وعامة ما يكون في الترجية والترغيب والترخيص ـــ: يؤتى به في مقابلة من غلب عليه الحرج في التشديد.
فإذا لم يكن هذا ولا ذاك: رأيت التوسط لائحاً، ومسلك الاعتدال واضحاً، وهو الأصل الذي يرجع إليه، والمعقل الذي يلجأ إليه.
وعلى هذا: إذا رأيت في النقل من المعتبرين في الدين من مال عن التوسط، فاعلم أن ذلك مراعاة منه لطرف واقع أو متوقع، في الجهة الأخرى، وعليه يجري النظر في الورع والزهد وأشباههما، وما قابلها.
والتوسط يعرف بالشرع، وقد يعرف بالعوائد، وما يشهد به معظم العقلاء، كما في الإسراف والإقتار في النفقات )[86].

        وإذا أردنا أن نلخص ما تقدم في كلام الإمامين في نقاط مختصرة، فإننا نقول:
1ـ التوسط: شرع الله، وقدره، وهدي النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ، وأصحابه.
2ـ تكاليف الشريعة ومواعظها جارية على الوسط، فإذا خيف من المكلف أن يميل أو مال إلى أحد الطرفين، جاء الخطاب مانعاً أو رادًا له إلى الوسط.
3ـ أن المفتي والناصح عليه أن يراعي في إفتائه ونصحه طبيعة الشريعة الوسطية، فلا يميل في فتاويه ولا في نصائحه عن الوسط إلى التشديد أو التساهل.
4ـ أن الوسطية تعرف بالشرع، وقد تعرف بالعوائد وما يشهد به معظم العقلاء.

ثانياً: التمثيل بذكر نماذج من الشريعة تظهر معاني الوسطية من خلالها:

الناظر في كليات الشريعة وجزئياتها: يجدها كلها تدور على الوسطية، فليست القضية محصورة في الأصول العامة والكليات، بل تشمل التفاصيل والجزئيات، ففي العقائد وسطية، وفي الأوامر والنواهي وسطية، وفي الأخلاق وسطية، وفي الأمور السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، وسطية.
ومن هنا كان لابد من الاكتفاء بذكر أمثلة ونماذج، تظهر فيها معاني الوسطية، تكون كالإشارة لغيرها؛ لأنه لا يمكن حصر جميع ما تظهر فيه معاني الوسطية، إذ هو الشريعة كلها بتفاصيلها، وهذا متعذر، فنقتصر على ذكر عشرة نماذج متنوعة:

1ـ الوسطية في التعبد، وذلك بالتزام هدي النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ فيه، فلا يجتهد اجتهادًا زائدًا عن الحد الشرعي، ولا يفتر فتورًا ناقصاً عنه كذلك.
يقول ابن القيم ـــ رحمه الله ـــ: ( والسلف يذكرون هذين الأصلين كثيرًا، وهما: الاقتصاد في الأعمال، والاعتصام بالسنة، فإن الشيطان يشم قلب العبد ويختبره؛ فإن رأى فيه داعية للبدعة، وإعراضاً عن كمال الانقياد للسنة: أخرجه عن الاعتصام بها، وإن رأى فيه حرصاً على السنة، وشدة طلب لها: لم يظفر به من باب اقتطاعه عنها، فأمره بالاجتهاد، والجور على النفس، ومجاوزة حد الاقتصاد فيها، قائلاً له: إن هذا خير وطاعة، والزيادة والاجتهاد فيها أكمل، فلا تفتر مع أهل الفتور، ولا تنم مع أهل النوم، فلا يزال يحثه ويحرضه، حتى يخرجه عن الاقتصاد فيها، فيخرج عن حدها، كما أن الأول خارج عن هذا الحد، فكذا هذا الآخر خارج عن الحد الآخر، وهذا حال الخوارج، الذين يحقر أهل الاستقامة صلاتهم مع صلاتهم، وصيامهم مع صيامهم، وقراءتهم مع قراءتهم.
وكلا الأمرين: خروج عن السنة إلى البدعة، لكن هذا إلى بدعة التفريط والإضاعة، والآخر إلى بدعة المجاوزة والإسراف.
وقال بعض السلف: ( ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما إلى تفريط، وإما إلى مجاوزة وهي الإفراط، ولا يبالي بأيهما ظفر: زيادة أو نقصان ) )[87].

2ـ الوسطية في تعظيم أمر الله ونهيه، وذلك بأن لا يُعَرِّض أمر الله ونهيه إلى تشديد غال، ولا يعارض الأمر والنهي بترخص جاف، بل يمتثلهما كما أراد الله، بفعل ما أمر به على الوجه الذي شرعه، وترك ما نهى عنه على الوجه الذي شرعه كذلك.
يقول ابن القيم ـــ رحمه الله ـــ: ( ومن علامات تعظيم الأمر والنهي:
ـــ أن لا يسترسل مع الرخصة إلى حد يكون صاحبه جافياً غير مستقيم على المنهج الوسط.
مثال ذلك: أن السنة وردت بالإبراد بالظهر في شدة الحر، فالترخص الجافي: أن يبرد إلى فوات الوقت أو مقاربة خروجه، فيكون مترخصاً جافياً، وحكمة هذه الرخصة: أن الصلاة في شدة الحر تمنع صاحبها من الخشوع والحضور، ويفعل العبادة بِتَـــكَــــرُّهٍ وضجر، فمن حكمة الشارع ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ: أن أمرهم بتأخيرها حتى ينكسر الحر، فيصلي العبد بقلب حاضر، ويحصل له مقصود الصلاة من الخشوع، والإقبال على الله ـــ تعالى ـــ ...
والمقصود أن لا يترخص ترخصاً جافياً، ومن ذلك: أنه أرخص للمسافر في الجمع بين الصلاتين عند العذر، وتعذر فعل كل صلاة في وقتها لمواصلة السير، وتعذر النزول أو تعسيره عليه، فإذا قام في المنزل اليومين والثلاثة، أو أقام اليوم: فجمعه بين الصلاتين لا موجب له؛ لتمكنه من فعل كل صلاة في وقتها من غير مشقة، فالجمع ليس سنة راتبة كما يعتقد أكثر المسافرين أن سنة السفر الجمع سواء وجد عذر أو لم يوجد، بل الجمع رخصة، والقصر سنة راتبة، فسنة المسافر قصر الرباعية سواء كان له عذر أو لم يكن، وأما جمعه بين الصلاتين فحاجة ورخصة، فهذا لون وهذا لون.
ومن هذا: أن الشبع في الأكل رخصة غير محرمة، فلا ينبغي أن يجفو العبد فيها حتى يصل به الشبع إلى حد التخمة والامتلاء، فيتطلب ما يصرف به الطعام، فيكون همه بطنه قبل الأكل وبعده، بل ينبغي للعبد أن يجوع ويشبع، ويدع الطعام وهو يشتهيه، وميزان ذلك قول النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ: (( ثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه ))[88]، ولا يجعل الثلاثة الأثلاث كلها للطعام وحده.
ـــ وأما تعريض الأمر والنهي للتشديد الغالي: فهو كمن يتوسوس في الوضوء متغالياً فيه حتى يفوت الوقت، أو يردد تكبيرة الإحرام إلى أن تفوته مع الإمام قراءة الفاتحة أو يكاد تفوته الركعة، أو يتشدد في الورع الغالي حتى لا يأكل شيئاً من طعام عامة المسلمين خشية دخول الشبهات عليه ...
ـــ فحقيقة التعظيم للأمر والنهي: أن لا يُعَارَضَا بترخص جاف، ولا يُعَرَّضا لتشديد غال، فإن المقصود هو الصراط المستقيم، الموصل إلى الله ـــ عز وجل ـــ بسالكه، وما أمر الله ـــ عز وجل ـــ بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما تقصير وتفريط، وإما إفراط وغلو، فلا يبالي بما ظفر من العبد من الخطيئتين، فإنه يأتي إلى قلب العبد فيستامه، فإن وجد فيه فتورًا وتوانياً وترخيصاً: أخذه من هذه الخطة، فثبطه وأقعده وضربه بالكسل والتواني والفتور، وفتح له باب التأويلات والرجاء وغير ذلك، حتى ربما ترك العبد المأمور جملة، وإن وجد عنده حذرًا وجدًا وتشميرًا ونهضة، وأيس أن يأخذه من هذا الباب: أمره بالاجتهاد الزائد، وسول له أن هذا لا يكفيك، وهمتك فوق هذا، وينبغي لك أن تزيد على العاملين، وأن لا ترقد إذا رقدوا، ولا تفطر إذا أفطروا، وأن لا تفتر إذا فتروا، وإذا غسل أحدهم يديه ووجهه ثلاث مرات فاغسل أنت سبعاً، وإذا توضأ للصلاة فاغتسل أنت لها، ونحو ذلك من الإفراط والتعدي، فيحمله على الغلو والمجاوزة، وتعدي الصراط المستقيم، كما يحمل الأول على التقصير دونه، وأن لا يقربه، ومقصوده من الرجلين إخراجهما عن الصراط المسقيم: هذا بأن لا يقربه ولا يدنو منه، وهذا بأن يجاوزه ويتعداه، وقد فتن بهذا أكثر الخلق، ولا ينجي من ذلك إلا علم راسخ، وإيمان، وقوة على محاربته، ولزوم الوسط، والله المستعان )[89].

3ـ الوسطية في الصبر، وذلك بأن يجمع الإنسان في مصائب فقد الأحبة ـــ مثلاً ـــ: بين الرضا بالقضاء والقدر، وبين الرحمة للميت المفقود التي تكون في القلب، ويظهر أثرها على الجوارح.
يقول ابن القيم ـــ رحمه الله ـــ: ( وهدي رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ أكمل وأفضل، فإنه جمع بين الرضى بقضاء ربه ـــ تبارك وتعالى ـــ، وبين رحمته للطفل، فإنه لما قال له سعد بن عبادة ـــ رضي الله عنه ـــ: ( ما هذا يا رسول الله ؟ )، قال: (( هذه رحمة، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ))[90]. )[91].

4ـ الوسطية في الحب والبغض، وذلك بأن لا يكون الحب والبغض خارجين عن الاعتدال، بل يحب حبيبه هوناً ما، ويبغض بغيضه هوناً ما كذلك.
يقول الشيخ أحمد البيروتي ـــ رحمه الله ـــ، في شرح حديث أبي هريرة ـــ رضي الله عنه ـــ، مرفوعاً إلى النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ أنه قال: (( أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما ))[92]: ( أي: مقتصدًا في المحبة، لا مائلاً إلى إفراط ولا تفريط، كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـــ رضي الله عنه ـــ: ( لا يكن حبك كلفاً، ولا بغضك تلفاً ).
        قوله: ( ولا بغضك تلفاً )، أي: مفضياً بك إلى تلف من أبغضته.
        وقال الشاعر:
حبُّ التناهي غَلَط *** خيرُ الأمور الوسط
        لأن ما يخرج عن الوسط خرج عن الاعتدال، ولذلك جعل الله هذه الأمة وسطاً عدولاً، غير مائلة إلى طرف من الأطراف، كالأمم قبلها، فإن منها من مال إلى طرف الإفراط، ومنها من مال إلى طرف التفريط )[93].

5ـ وسطية في العلاقة مع الأرحام، بأن يوفي الإنسان إليهم حقوقهم، وأن لا تحمله صلة القرابة معهم على التغاضي عن إقامة الحق عليهم.
يقول ابن القيم ـــ رحمه الله ـــ: ( فإن ما في العبد من محبته لنفسه ولوالديه وأقربيه، يمنعه من القيام عليهم بالحق، ولا سيما إذا كان الحق لمن يبغضه ويعاديه قبلهم، فإنه لا يقوم به في هذه الحال إلا من كان الله ورسوله أحب إليه من كل ما سواهما، وهذا يمتحن به العبد إيمانه، فيعرف منزلة الإيمان من قلبه، ومحله منه، وعكس هذا عدل العبد في أعدائه، ومن يجفوه، فإنه لاينبغي أن يحمله بغضه لهم أن يحيف عليهم، كما لا ينبغي أن يحمله حبه لنفسه ووالديه وأقاربه على أن يترك القيام عليهم بالقسط، فلا يدخله ذلك البغض في باطل، ولا يقصر به هذا الحب عن الحق، كما قال السلف: ( العادل هو الذي إذا غضب لم يدخله غضبه في باطل، وإذا رضي لم يخرجه رضاه عن الحق ) )[94].

6ـ وسطية في التعامل، وذلك بأن يتوسط الإنسان في تعامله بين الشدة واللين، فلا يتعامل مع الناس جميعاً معاملة واحدة، ولا يتعامل دائماً بمستوى واحد، وإنما يكون تعامله وسطياً، مع مراعاة اختلاف المقامات.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـــ رحمه الله ـــ: ( وكان نبينا ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ مبعوثا بأعدل الأمور وأكملها، فهو الضَّحوك القتّال، وهو نبي الرحمة ونبي الملحمة، بل أمته موصوفون بذلك في مثل قوله ـــ تعالى ـــ: (( أشداء على الكفار رحماء بينهم ))[95]، وقوله ـــ تعالى ـــ: (( أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ))[96]، فكان النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ يجمع بين شدة هذا ولين هذا[97]، فيأمر بما هو العدل، وهما يطيعانه، فتكون أفعالهما على كمال الاستقامة، فلما قبض الله نبيه، وصار كل منهما خليفة على المسلمين خلافةَ نبوة، كان من كمال أبي بكر ـــ رضي الله عنه ـــ أن يولي الشديد ويستعين به؛ ليعتدل أمره، ويخلط الشدة باللين، فإن مجرد اللين يفسد، ومجرد الشدة تفسد، ويكون قد قام مقام النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ، فكان يستعين باستشارة عمر، وباستنابة خالد، ونحو ذلك، وهذا من كماله الذي صار به خليفة رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ، ولهذا اشتد في قتال أهل الردة شدةً برز بها على عمر وغيره، حتى روي أن عمر قال له: ( يا خليفة رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ !، تَأَلَّف الناس )، فقال: ( علام أتألفهم ؟! أعلى حديث مفترى ؟! أم على شعر مفتعل ؟! )، وقال أنس: ( خطبنا أبو بكر عقيب وفاة النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ، وإنا لكالثعالب، فما زال يشجعنا حتى صرنا كالأسود )، وأما عمر ـــ رضي الله عنه ـــ فكان شديدًا في نفسه، فكان من كماله استعانته باللين؛ ليعتدل أمره، فكان يستعين بأبي عبيدة بن الجراح، وسعد ابن أبي وقاص، وأبي عبيد الثقفي، والنعمان بن مقرن، وسعيد بن عامر، وأمثال هؤلاء من أهل الصلاح والزهد )[98].

7ـ الوسطية في المدح والذم، وذلك بأن لا يرفع في مدحه الممدوح فوق قدره، ولا يخفض المذموم عن قدره، ولا يكون مداحاً دائماً، ولا ذاماً دائماً، بل يتوسط في أموره كلها، فيمدح ما يستحق المدح، ويذم ما يستحق ـــ شرعاً ـــ الذم، مع النظر في المصالح والمفاسد.
يقول مالك بن دينار ـــ رحمه الله ـــ: ( منذ عرفت الناس لم أفرح بمدحهم، ولم أكره مذمتهم )، قيل: ولم ذاك ؟ قال: ( لأن حامدهم مُفْرِط، وذامهم مُفَرِّط )[99].
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـــ رحمه الله ـــ: ( وليس المقصود هنا: إطلاق مدح شخص أو طائفة، ولا إطلاق ذم ذلك، فإن الصواب الذي عليه أهل السنة والجماعة: أنه قد يجتمع في الشخص الواحد، والطائفة الواحدة، ما يحمد به من الحسنات، وما يذم به من السيئات، وما لا يحمد به ولا يذم من المباحث والعفو[100] عنه من الخطأ والنسيان، بحيث يستحق الثواب على حسناته، ويستحق العقاب على سيئاته، بحيث لا يكون محمودًا ولا مذموماً على المباحات والمعفوات، وهذا مذهب أهل السنة في فساق أهل القبلة ونحوهم ... ولهذا يكثر في الأمة من أئمة الأمراء وغيرهم، من يجتمع فيه الأمران، فبعض الناس يقتصر على ذكر محاسنه ومدحه، غلوًا وهوى، وبعضهم يقتصر على ذكر مساويه، غلوًا وهوى، ودين الله: بين الغالي فيه، والجافي عنه، وخيار الأمور أوسطها )[101].

8ـ الوسطية في صيانة النفس، فلا يكون منقبضاً عن الناس انقباضاً شديدًا، ولا منبسطاً إليهم انبساطاً شديدًا، بل يكون بين ذلك، فيجالسهم، ويمازحهم، ويضاحكهم، من غير مبالغة تحط قدره عندهم.
يقول الإمام الشافعي ـــ رحمه الله ـــ، ليونس بن عبد الأعلى ـــ رحمه الله ـــ: ( يا يونس ! الانقباض عن الناس مكسبة للعداوة، والانبساط إليهم مجلبة لقرناء السوء، فكن بين المنقبض والمنبسط )[102].
ويقول ابن القيم ـــ رحمه الله ـــ: ( وكذلك طلاقة الوجه والبشر المحمود؛ فإنه وسط بين التعبيس والتقطيب وتصعير الخد وطي البشر عن البشر، وبين الاسترسال مع كل أحد، بحيث يذهب الهيبة ويزيل الوقار ويطمع في الجانب، كما أن الانحراف الأول يوقع الوحشة والبغضة والنفرة في قلوب الخلق.
وصاحب الخلق الوسط: مهيب، محبوب، عزيز جانبه، حبيب لقاؤه، وفي صفة نبينا: (( من رآه بديهة هابه، ومن خالطه عشرة أحبه ))[103]، والله أعلم )[104].

9ـ الوسطية في ضبط اللسان، بحيث لا يتكلم في موضع السكوت، ولا يسكت في موضع الكلام، بل يضع الأمور في مواضعها اللائقة بها.
يقول ابن القيم ـــ رحمه الله ـــ: ( وأيسر حركات الجوارح: حركة اللسان، وهي أضرها على العبد ... وفي اللسان آفتان عظيمتان، إن خلص العبد من إحداهما لم يخلص من الأخرى: آفة الكلام، وآفة السكوت، وقد يكون كل منهما أعظم إثماً من الأخرى في وقتها.
فالساكت عن الحق: شيطان أخرس، عاص لله، مُراءٍ، مداهن إذا لم يخف على نفسه.
والمتكلم بالباطل: شيطان ناطق، عاص لله.
وأكثر الخلق: منحرف في كلامه وسكوته، فهم بين هذين النوعين.
وأهل الوسط ـــ وهم أهل الصراط المستقيم ـــ: كفوا ألسنتهم عن الباطل، وأطلقوها فيما يعود عليهم نفعه في الآخرة، فلا ترى أحدهم يتكلم بكلمة تذهب عليه ضائعة بلا منفعة، فضلاً أن تضره في آخرته، وإن العبد ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال، فيجد لسانه قد هدمها عليه كلها، ويأتي بسيئات أمثال الجبال، فيجد لسانه قد هدمها من ذكر الله وما اتصل به )[105].

10ـ الوسطية الاقتصادية، وذلك بالجمع بين المصالح العامة والخاصة، الجماعية والفردية، فلا ينظر إلى الفرد نظرًا يلغي الجماعة، ولا إلى الجماعة نظرًا يلغي الفرد، بل يعطى كل ذي حق حقه.
        يقول أ.د. رفعت العوضي ـــ حفظه الله ـــ: ( الإسلام جاء بالوسطية الاقتصادية، التي جمعت بتفوق بين: دور الفرد ودور الدولة، بين المصلحة الخاصة والمصلحة العامة، بين تحقيق التقدم وتحقيق العدالة، هذا ما حدث منذ أربعة عشر قرناً.
        وبعد ذلك بقرون كثيرة: تجيء الرأسمالية فتتطرف بإيغال شديد في اعتبار الفردية، وتجيء الاشتراكية فتتطرف بإيغال شديد في اعتبار الجماعية )[106].

        فهذه نماذج عشرة، هي كالدلالة على غيرها، وإلا فالوسطية خصيصة بارزة من خصائص هذه الشريعة، بكل كلياتها، وجزئياتها، وما ذُكر من الأمثلة يكفي في توضيح هذا الأصل.






وختاماً:

        فالوسطية الحقة، التي هي دين الأنبياء والرسل، ومنهج خيرهم وخاتمهم محمد بن عبد الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ، هي: الاقتصاد، والعدل، والقسط، وذلك بلزوم الصراط المستقيم، الموصل إلى جنات النعيم، والمنجي من عذاب الجحيم، الذي لا تشدد فيه، ولا تساهل، ولا إفراط ولا تفريط، فلا تطرف إلى جهة الغلو، ولا تطرف إلى الطرف المقابل.
        ولا يمكن للإنسان أن يكون وسطياً حقاً، إلا بالنظر الصحيح في نصوص الكتاب الكريم، والسنة المطهرة، وذلك على وفق فهم سلف هذه الأمة وأئمتها، فهم أهل السنة، وهم أهل الجماعة، الذين اجتمعوا واعتصموا بحبل الله، وصراطه المستقيم، ودينه القويم.
        فمن رام أن يعالج التطرف بتطرف مقابل له، فقد أبعد النجعة، وزاد الطين بِلة، وعالج المشكلة بمشكلة أخرى، فزادت المشكلتان، ومن رام أن يعالج التطرف بالوحيين الشريفين، والمعينين الصافيين، فقد أصاب وأفلح وأنجح، وسيوفقه الله ـــ عز وجل ـــ بإذنه سبحانه ـــ إلى ما فيه الخير والصلاح.
        نسأل الله ـــ عز وجل ـــ، بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا، أن يرزقنا الاستقامة على دينه، والتمسك بهدي نبيه ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ، حتى نلقاه ـــ سبحانه ـــ على الوسطية، التي اختارها لنا، وهو عنا راض.
        وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.




المصادر والمراجع:

1.   إسفار الفصيح، لأبي سهل محمد بن علي الهروي، تحقيق: أحمد قشاش، عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المملكة العربية السعودية ـــ المدينة المنورة، 1420ه.
2.   تحفة المودود بأحكام المولود، لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر، المعروف بابن القيم، تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط، مكتبة دار البيان، سوريا ـــ دمشق، 1391ه ـــ 1971م.
3.   تخريج أحاديث الإحياء، لأبي الفضل زين الدين عبد الرحيم العراقي. الشاملة.
4.   الجامع الصحيح سنن الترمذي، لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي السلمي، تحقيق: أحمد شاكر وآخرون، دار إحياء التراث العربي، لبنان ـــ بيروت.
5.   الجامع الصحيح، لأبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، دار الجيل ـــ دار الآفاق الجديدة، لبنان ـــ بيروت.
6.   الجامع الصحيح، لمحمد بن إسماعيل البخاري، دار الشعب، جمهورية مصر العربية ـــ القاهرة، 1407ه ـــ 1987م.
7.   جامع بيان العلم وفضله، لأبي عمر ابن عبد البر النمري، تحقيق: أبي عبد الرحمن فواز أحمد زمرلي، مؤسسة الريان ـــ دار ابن حزم، 1424ه ـــ 2003م.
8.   الْجَوَابُ الْكَافِي لِمَنْ سَأَلَ عَنْ الدَّوَاءِ الشَّاِفي، لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر، المعروف بابن قيم الجوزية، دار المعرفة، 1418هـ / 1997م.
9.   دلائل النبوة، للإمام البيهقي، تحقيق: د. عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية ـــ دار الريان للتراث، 1408ه ـــ 1988م.
10.                      الرسالة التبوكية زاد المهاجر إلى ربه، لأبي عبد الله محمد المعروف بابن القيم، تحقيق: د. محمد جميل غازي، مكتبة المدني، المملكة العربية السعودية ـــ جدة.
11.                      سنن ابن ماجه، لأبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني، كتب حواشيه: محمود خليل، مكتبة أبي المعاطي.
12.                      سير أعلام النبلاء، لأبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق: مجموعة من المحققين بإشراف شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة.
13.                      شعب الإيمان، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق: د. عبد العلي عبد الحميد حامد، مكتبة الرشد للنشر والتوزيع بالرياض بالتعاون مع الدار السلفية ببومباي بالهند، 1423ه ـــ 2003م.
14.                      الصحاح في اللغة، لأبي نصر إسماعيل بن حماد الجوهري. الشاملة.
15.                      صفة الصفوة، لأبي الفرج عبد الرحمن، المعروف بابن الجوزي، تحقيق: محمود فاخوري وغيره، دار المعرفة، لبنان ـــ بيروت، ط2، 1399ه ـــ 1979م.
16.                      الصلاة وأحكام تاركها، لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر، المعروف بابن القيم، مكتبة الثقافة، المملكة العربية السعودية ـــ المدينة المنورة. الشاملة.
17.                      العباب الزاخر واللباب الفاخر، للحسن بن محمد بن الحسن الصغاني. الشاملة.
18.                      غريب الحديث، لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، تحقيق: د. عبد الله الجبوري، مطبعة العاني، العراق ـــ بغداد، 1397ه.
19.                      غريب القرآن المسمى بنزهة القلوب، لأبي بكر محمد بن عُزير السجستاني، تحقيق: محمد أديب عبد الواحد جمران، دار قتيبة، سوريا، 1416ه ـــ 1995م.
20.                      غريب القرآن، لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، تحقيق: أحمد صقر، دار الكتب العلمية، 1398ه ـــ 1978م.
21.                      الفائق في غريب الحديث، لمحمود بن عمر الزمخشري، تحقيق: علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعرفة، لبنان.
22.                      الفتاوى الكبرى، لتقي الدين أبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، تحقيق: محمد عبدالقادر عطا ومصطفى عبدالقادر عطا، دار الكتب العلمية، 1408هـ ـــ 1987م.
23.                      الفروق اللغوية، لأبي هلال العسكري، الشاملة.
24.                      الفصيحة العجما في الكلام على حديث أحبب حبيبك هوناً ما، للشيخ أحمد بن عبد اللطيف البربير الحسني البيروتي، تحقيق: رمزي سعد الدين دمشقية، مطبوع ضمن لقاءات العشر الأواخر ( 10 )، دار البشائر الإسلامية، لبنان ـــ بيروت، 1421ه ـــ 2000م.
25.                      القاموس المحيط، لمحمد بن يعقوب الفيروز آبادي. الشاملة.
26.                      كتاب الكليات، لأبي البقاء أيوب بن موسى الكفوي، تحقيق: عدنان درويش ومحمد المصري، مؤسسة الرسالة، لبنان ـــ بيروت، 1419ه ـــ 1998م.
27.                      مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي. الشاملة.
28.                      محاضرات الأدباء، للراغب الأصفهاني. الشاملة.
29.                      المحيط في اللغة، للصاحب بن عباد. الشاملة.
30.                      المخصص، لأبي الحسن علي بن إسماعيل الأندلسي المعروف بابن سيده، تحقيق: خليل إبراهيم جفال، دار إحياء التراث العربي، لبنان ـــ بيروت، 1417ه ـــ 1996م.
31.                      مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، لمحمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار الكتاب العربي، لبنان ـــ بيروت، ط 2، 1393ه ـــ 1973م.
32.                      مسند أحمد بن حنبل، لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، تحقيق: السيد أبو المعاطي النوري، عالم الكتب، لبنان ـــ بيروت، 1419ه ـــ 1998م.
33.                      مشارق الأنوار على صحاح الآثار، للقاضي أبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي، المكتبة العتيقة ودار التراث.
34.                      المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، لأبي العباس أحمد بن محمد بن علي الفيومي ثم الحموي. الشاملة.
35.                      مصنف ابن أبي شيبة، لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، تحقيق: محمد عوامة. الشاملة.
36.                      المعجم الأوسط، لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق: طارق بن عوض الله وعبد المحسن الحسيني، دار الحرمين، جمهورية مصر العربية ـــ القاهرة، 1425ه.
37.                      المعجم الكبير، أبو القاسم سليمان الطبراني. الشاملة.
38.                      المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، لمحمد فؤاد عبد الباقي، دار الجيل، لبنان ـــ بيروت، 1407ه ـــ 1987م.
39.                      معجم مقاييس اللغة، لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، 1399ه ـــ 1979م.
40.                      مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة، لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر، المعروف بابن قيم الجوزية، دار الكتب العلمية، لبنان ـــ بيروت. الشاملة.
41.                      مفردات القرآن، لأحمد مصطفى المراغي. الشاملة.
42.                      المفردات في غريب القرآن، للحسين بن محمد بن المفضل، المعروف بالراغب الأصفهاني، دار العلم الدار الشامية، تحقيق: صفوان عدنان داودي، سوريا ـــ دمشق، لبنان ـــ بيروت، 1412ه.
43.                      المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، للإمام عبد الرحمن السخاوي، دار الكتاب العربي.
44.                      منهاج السنة النبوية، لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني، تحقيق: د. محمد رشاد سالم، مؤسسة قرطبة.
45.                      المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، لأبي زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي، دار إحياء التراث العربي، لبنان ـــ بيروت، ط2، 1392ه.
46.                      الموافقات، لأبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي، تحقيق: أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن عفان، 1417ه ـــ 1997م.
47.                      النهاية في غريب الحديث والأثر، لأبي السعادات المبارك بن محمد بن الجزري المعروف بابن الأثير، تحقيق: طاهر الزاوي ومحمود الطناحي، المكتبة العلمية، لبنان ـــ بيروت، 1399ه ـــ 1979م. الشاملة.
48.                      الوابل الصيب من الكلم الطيب، لمحمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله ابن القيم،  تحقيق: محمد عبد الرحمن عوض، دار الكتاب العربي، لبنان ـــ بيروت،  1405 ه – 1985م.
49.                      الوسطية الاقتصادية في الإسلام، للأستاذ الدكتور رفعت السيد العوضي، دار السلام للطباعة والتوزيع، جمهورية مصر العربية ـــ القاهرة ـــ الإسكندرية، 1434ه ـــ 2013م.




[1] مفتاح دار السعادة، لابن القيم، 1/ 119.
[2] جامع بيان العلم وفضله، 2/ 77.
[3] انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، لمحمد فؤاد عبد الباقي، 750.
[4] سورة: البقرة، الآية: 143.
[5] سورة: البقرة، الآية: 238.
[6] سورة: المائدة، الآية: 89.
[7] سورة: القلم، الآية: 28.
[8] سورة: العاديات، الآية: 5.
[9] مفردات القرآن، 59.
[10] سورة: القلم، الآية: 28.
[11] مفردات القرآن، 1017.
[12] سورة: البقرة، الآية: 143.
[13] سورة: القلم، الآية: 28.
[14] لم أجده بهذا اللفظ في الإخبار عن النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ، وقد روى الطبراني في المعجم الأوسط، 2/ 70، عن بريدة بن الحصيب قال: كنا عند رسول الله فأقبل رجل من قريش فأدناه رسول الله وقربه، فلما قام قال: (( يا بريدة ! أتعرف هذا ؟ ))، قلت: ( نعم، هذا أوسط قريش حسباً، وأكثرهم مالاً ) ثلاثاً، فقلت: ( يا رسول الله ! أنبأتك بعلمي فيه، فأنت أعلم )، فقال: (( هذا ممن لا يقيم الله له يوم القيامة وزناً )). قال الهيثمي في مجمع الزوائد، 6/ 325: ( رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عون بن عمارة، وهو ضعيف ). وسيأتي قريباً حديث إخبار أبي سفيان عن النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ، أنه من أوسطهم نسباً.
[15] غريب القرآن، 65.
[16] سورة: القلم، الآية: 28.
[17] غريب القرآن، 480.
[18] غريب القرآن، 83.
[19] سورة: البقرة، الآية: 143.
[20] غريب القرآن، 479.
[21] سورة: البقرة، الآية: 238.
[22] غريب القرآن، 91. وبنحوه في غريب الحديث له، 179.
[23] غريب القرآن، 297.
[24] مفردات القرآن، 223.
[25] مفردات القرآن، 1106.
[26] غريب القرآن، 536.
[27] سورة: البقرة، الآية: 143.
[28] سورة: القلم، الآية: 28.
[29] سورة: البقرة، الآية: 238.
[30] سورة: الإسراء، الآية: 78.
[31] سيأتي تخريجه قريباً.
[32] رواه البخاري، برقم: 552. ومسلم، برقم: 1448. من حديث ابن عمر ـــ رضي الله عنهما ـــ.
[33] المفردات، 869 ـــ 870.
[34] سنن ابن ماجه، برقم: 2089، 3663.
[35] جامع الترمذي، برقم: 1900. وصححه الألباني كما في صحيح الترمذي.
[36] 4/ 383.
[37] صحيح البخاري، برقم: 7. صحيح مسلم، برقم: 4707.
[38] المعجم الكبير، 17/ 497. قال الهيتمي: ( رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفهم ). مجمع الزوائد، 8/ 156، برقم: 13837.
[39] صحيح مسلم، برقم: 2085.
[40] المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، 3/ 278.
[41] صحيح البخاري، برقم: 2790.
[42] صحيح البخاري، برقم: 2931. صحيح مسلم، برقم: 1451. وفي رواية لمسلم: (( عن الصلاة الوسطى: صلاة العصر )). برقم: 1457، 1458.
[43] رواه ابن أبي شيبة، برقم: 36275. والبيهقي في شعب الإيمان، برقم: 6176. من كلام مطرف، قال العراقي في تخريج الإحياء، 3/ 35: ( أخرجه البيهقي في شعب الإيمان من رواية مطرف بن عبيد الله معضلاً ). وقال السخاوي في المقاصد الحسنة، 1/ 332: ( ابن السمعاني في ذيل تاريخ بغداد بسند مجهول عن علي مرفوعاً به، وهو عند ابن جرير في التفسير من قول مطرف بن عبد الله، ويزيد بن مرة الجعفي، وكذا أخرجه البيهقي عن مطرف، وللديلمي بلا سند عن ابن عباس مرفوعاً: (( خير الأعمال أوسطها ))، في حديث أوله: (( دوموا على أداء الفرائض )). ).
[44] تقدم تخريجه قريباً.
[45] أقرب ما وقفت عليه إلى هذا اللفظ: حديث هرقل، وقد تقدم تخريجه قريباً.
[46] تقدم تخريجه قريباً.
[47] 5/ 399.
[48] تقدم تخريجه قريباً.
[49] سورة: البقرة، الآية: 143.
[50] تقدم تخريجه قريباً.
[51] مشارق الأنوار، 2/ 295.
[52] تقدم الكلام عنه قريباً.
[53] سورة: البقرة، الآية: 143.
[54] غريب الحديث، 577.
[55] تقدم تخريجه قريباً.
[56] الفائق، 3/ 160.
[57] سورة: البقرة، الآية: 143.
[58] معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، 6/ 108.
[59] سورة: البقرة، الآية: 143.
[60] الصحاح في اللغة، للجوهري، 2/ 278.
[61] سورة: البقرة، الآية: 143.
[62] رواه الإمام أحمد في مسنده، برقم: 17687. قال الهيثمي: ( رواه أحمد بإسنادين ... وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح ). مجمع الزوائد، 8/ 286.
[63] سورة: البقرة، الآية: 238.
[64] تقدم تخريجه قريباً.
[65] سورة: العاديات، الآية: 5.
[66] العباب، للصغاني، 1/ 330 ـــ 332. وانظر للاستزادة ـــ على سبيل المثال ـــ: القاموس، للفيروز آبادي، 894. المحيط في اللغة، للصاحب بن عباد، 2/ 270. المخصص، لابن سيده، 1/ 238. إسفار الفصيح للهروي، الشاملة، في: ( وسط ). الفروق، للعسكري، 571 ـــ 572.
لطيفة: يستعمل الوسط في بعض الأحيان مرادًا به الذم، كما قال الراغب ـــ رحمه الله ـــ: ( وقيل: الأشياء كلها ثلاث طبقات: جيد، ووسط، ورديء، فالوسط من كل شيء: أجود من الرديء عند الناس، إلا الشعر؛ فإن رديئه خير من وسطه، ومتى قيل: شعر وسط؛ فهو عبارة عن الرديء )[66]. وقال: ( ذم التوسط:
كشاجم:
وقالوا: عليك وسيط الأمور *** فقلت لهم: أكره الأوسطا
إذا لم أكن في ذرا شاهق *** ولا في حضيض وطيء المطا
وحاولت في مرتقى هائل *** توسطه خفت أن أسقطا
وقيل: مما يستقبح: معنى وسط، ومغن وسط، ونادرة وسط، وحقيقة الوسط: ما لم يكن سنياً ولا دنيئاً، كما قال أبو مهدية الأعرابي، وقد سئل عن طعام، فقال: ليس بخسيس ولا نفيس، وقيل لإسحاق الموصلي: قد خبرت فلاناً فكيف هو ؟ فقال: ليس في الكمال كما تهوى، ولا في التخلف كما تخشى ). محاضرات الأدباء، 1/ 203.
[67] سورة: البقرة، الآية: 143.
[68] سورة: القلم، الآية: 28.
[69] تقدم تخريجه قريباً.
[70] 1510. وانظر كذلك ـــ على سبيل المثال ـــ: المصباح المنير، للفيومي، 10/ 340 ـــ 343.
[71] سورة: الفرقان، الآية: 67.
[72] سورة: الإسراء، الآية: 29.
[73] سورة: الإسراء، الآية: 26.
[74] الصلاة وأحكام تاركها، 11/ 68.  
[75] سورة: البقرة، الآية: 215.
[76] سورة: البقرة، الآية: 219.
[77] الموافقات/ 279.
[78] صحيح البخاري، برقم: 5073. صحيح مسلم، برقم: 3470.
[79] رواه البخاري، برقم: 705، 6106. ومسلم، برقم: 1068. من حديث جابر ـــ رضي الله عنه ـــ.
[80] رواه البخاري، برقم: 702. ومسلم، برقم: 1072. كلاهما من حديث أبي مسعود الأنصاري ـــ رضي الله عنه ـــ.
[81] رواه البخاري، برقم: 6463. من حديث أبي هريرة ـــ رضي الله عنه ـــ.
[82] رواه البخاري، برقم: 43. ومسلم، برقم: 1863. من حديث أم المؤمنين عائشة ـــ رضي الله عنها ـــ.
[83] هو تتمة الحديث السابق.
[84] صحيح البخاري، برقم: 1961. صحيح مسلم، برقم: 2618.
[85] الموافقات 5/ 276 ـــ 279
[86] الموافقات، 2/ 286 ـــ 287.
[87] مدارج السالكين، 2/ 107 ـــ 108.
[88] رواه الترمذي، برقم: 2380، من حديث المقدام بن معدي كرب، وقال: ( هذا حديث حسن صحيح ).
[89] الوابل الصيب، 24.
[90] رواه البخاري، برقم: 5655. ومسلم، برقم: 2174. من حديث أسامة بن زيد ـــ رضي الله عنهما ـــ.
[91] تحفة المودود، 106.
[92] رواه الترمذي، برقم: 1997. وصححه الألباني كما في صحيح الترمذي.
[93] الفصيحة العجما، 45 ـــ 46.
[94] الرسالة التبوكية، 33.
[95] سورة: الحجرات، الآية: 29.
[96] سورة: المائدة، الآية: 54.
[97] يعني: بين شدة عمر بن الخطاب ـــ رضي الله عنه ـــ، ولين أبي بكر الصديق ـــ رضي الله عنه ـــ.
[98] منهاج السنة النبوية، 6/ 81 ـــ 82.
[99] صفة الصفوة، لابن الجوزي، 3/ 276.
[100] كذا، ولعلها: المباحات والمعفو.
[101] الفتاوى الكبرى، 6/ 662 ـــ 663.
[102] سير أعلام النبلاء، 10/ 89.
[103] رواه الترمذي، برقم: 3638. من كلام علي ـــ رضي الله عنه ـــ أنه كان إذا وصف النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ قال: ( ... وأكرمِهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه ... ). قال أبو عيسى الترمذي: ( هذا حديث حسن غريب، ليس إسناده بمتصل ). ونلحظ في هذا اللفظ أن كلمة ( عشرة ) متقدمة على هذه الجملة، وأن الوارد في جامع الترمذي لفظة ( معرفة ) في موضع لفظة ( عشرة ) من نقل ابن القيم ـــ رحمه الله ـــ، وفي شعب الإيمان، ودلائل النبوة، ومصنف ابن أبي شيبة، وغيرها من المراجع التي اطلعت عليها: استعمال لفظ المعرفة موضع لفظ العشرة، كالذي في رواية الترمذي.
[104] مدارج السالكين، 2/ 311.
[105] الجواب الكافي، 162.
[106] الوسطية الاقتصادية في الإسلام، 13.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق