الثلاثاء، 21 يونيو 2016

( مطوية ): الدعاء

الـدعــاء
       
الحمد لله رب العالمين، معطي السائلين، ومجيب دعوة الداعين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
        فإن دعاء الله ـ عز وجل ـ؛ من أجل العبادات، وأعظم القربات، حتى إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، جعل الدعاء هو العبادة، فقال: (( الدعاء هو العبادة ))[1]، فدل هذا على عظيم أهميته، وعلو منزلته.

وقد وردت آيات عديدة في فضل الدعاء، منها:
ـ قوله ـ سبحانه ـ: (( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ))[2]. فأمر العباد أن يدعوه، ووعدهم أن يجيبهم، وتوعدهم على ترك الدعاء، وسمى الدعاء عبادة.
ـ وقوله ـ عز وجل ـ: (( ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين ))[3]. فأمرهم بدعائه، على هذه الصفة، التي هي التضرع والخفية، فالتضرع هو: الخضوع والتذلل والمبالغة في السؤال والرغبة، والخفية: أن يعتقد الإنسان في نفسه أنه يعبد الله ـ عز وجل ـ.
ـ وقوله ـ عز من قائل ـ: (( وادعوه خوفاً وطمعاً إن رحمة الله قريب من المحسنين ))[4]. فأمرهم أن يدعوه، والحال أنهم يخافون عذابه، ويطمعون في رحمته، ثم أكد قرب رحمته من عباده المحسنين، ولا يكون الإنسان من أهل الإحسان في العبادة، إلا إذا كان من أهل الدعاء.
ـ وقوله ـ تعالى ـ: (( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين ))[5]. ذكر الله ـ عز وجل ـ هذه الآية، بعد أن ذكر حال كثير من الأنبياء مع الدعاء، وأنهم كانوا أهل تضرع ولَجَأٍ إلى الله ـ عز وجل ـ، ثم ختم قصصهم بذكر هذه الآية، التي أثنى فيها عليهم بأنهم يدعون الله رغبة فيما عنده، ورهبة مما عنده.
ـ وقوله ـ سبحانه ـ: (( تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون ))[6]. فكما أن الله ـ عز وجل ـ أثنى على الأنبياء بدعائهم لله؛ أثنى على أهل الصلاح والخير، من جميع أمم الأنبياء، أنهم يدعون الله ـ تبارك وتعالى ـ خوفاً وطمعاً، ويتجافون عن المضاجع ـ أي يتباعدون عن مواضع النوم ـ اشتغالاً عن الراحة بالعبادة والدعاء، اللذين هما سبب الراحة الأخروية.
ـ وقوله ـ سبحانه ـ: (( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ))[7]. رَغَّبَنَا الرحمن الرحيم ـ سبحانه ـ، بالدعاء، بذكر قربه ـ سبحانه ـ من عباده الداعين، واستجابته لهم، إن هم دعوا الله ـ عز وجل ـ على الوجه المطلوب.
ـ وقوله ـ جل شأنه ـ: (( قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم ))[8]. يعني: أي وزن يقيمه الله لكم لولا أنكم تدعون الله ـ عز وجل ـ، وتعبدونه ؟!، فأنتم من غير دعاء وعبادة؛ لا تستحقون أن يعبأ الله بكم ولا أن يبالي بكم ولا أن يحبكم ـ سبحانه ـ.

ووردت أحاديث كثيرة ـ كذلك ـ في فضل الدعاء، منها:
ـ قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (( الدعاء هو العبادة ))[9]. فجعل الدعاء هو العبادة، فهذا دليل على عظيم منزلة الدعاء.
ـ وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (( إن الله ـ عز وجل ـ يقول: هل من داع فأستجيب له؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ ))[10]. فالله ـ عز وجل ـ يحب أن يُسأل، وأن يُرغب إليه في الحوائج، وأن يُلَح في سؤاله ودعائه، وخاصة إذا كان في الثلث الآخر من الليل.
ـ وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (( من لم يسأل الله يغضب عليه ))[11]. فالله ـ تبارك وتعالى ـ يغضب على من يترك سؤاله.
كما قال القائل ناظماً هذا المعنى:
الله يغضب إن تركت سؤاله *** وبُنَيِّ آدم حين يُسأل يَغضب.
ـ وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (( قال الله ـ تعالى ـ: يا ابن آدم ! إنك ما دعوتني ورجوتني[12] غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم ! لو بلغت ذنوبك عنان السماء[13] ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض[14] خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة ))[15]. فرتب الله ـ عز وجل ـ هذه الأمور العظيمة، على الدعاء والرجاء والاستغفار، التي هي من أيسر الأمور، على من وفقه الله ـ عز وجل ـ من عباده.
ـ وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (( ليس شيء أكرم على الله من الدعاء ))[16]. وإذا كان الأمر كذلك، فهل يمكن أن يرد الله ـ عز وجل ـ أكرم شيء عليه ؟!.
ـ وقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (( ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم أو قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له ما سأل، وإما أن يدفع عنه من الشر مثلها، وإما أن يدخرها له يوم القيامة ))، فقال الصحابة: ( إذًا نُكثر يا رسول الله )، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (( الله أكثر ))[17]. فإذا دعا الإنسان فلم يجد الجواب، فليحسن الظن بالله ـ سبحانه ـ، وليقل في نفسه: لعل الله ـ عز وجل ـ اختار لي خير الأمور لي، وأصلحها، ولهذا لما فهم الصحابة أن الداعي رابح في كل أحواله، سواء وجد أثر هذا الدعاء بأن أعطاه الله ما حدده، أو لم يجد ذلك، قالوا: ( إذًا نكثر )، فأخبرهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن الله يعطيهم أكثر.
ـ وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (( دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل، كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين، ولك مثل ذلك ))[18]. فمن ثمرات الدعاء لإخوانك: أن الملائكة تدعو لك بمثل ما دعوت لهم.

آداب الدعاء:
        للدعاء آداب ينبغي للمسلم الذي يدعو الله ـ عز وجل ـ: أن يتمثلها في دعائه، ليكون دعاؤه أقرب إلى الإجابة، ومن ذلك:

1ـ الإخلاص لله ـ عز وجل ـ.
        يقول الله ـ تبارك وتعالى ـ: (( قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون ))[19]. ويقول ـ سبحانه ـ: (( فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ))[20]. ويقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (( إذا سألت فاسأل الله ))[21].
        فالمسلم عليه أن يجعل دعاءه خالصاً لوجه الله ـ عز وجل ـ، فلا يصرف هذا الدعاء إلى غير الله، ولا يدعو الله ـ عز وجل ـ وهو ملتفت إلى الخلق، يطلب بعمله هذا الرياء والسمعة.

2ـ الافتقار والتذلل لله ـ عز وجل ـ، وإظهار الحاجة له.
        يقول الله ـ عز وجل ـ: (( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد * إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد * وما ذلك على الله بعزيز ))[22]. فنحن مفتقرون إلى الله، محتاجون إلى رحمته، وهو ـ سبحانه ـ في غنى عنا، يقول الله ـ سبحانه ـ: (( وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فإن الله لغني حميد ))[23].
فالافتقار إلى الله ـ عز وجل ـ من أهم آداب الدعاء، وأعظم أسباب الإجابة، لما فيه من إظهار كمال العبودية لله ـ سبحانه ـ، والاعتراف بكمال قدرة الله ـ عز وجل ـ، وغناه عن خلقه، ولهذا يقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (( لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة، فإن الله لا مكره له ))[24]. فهذا الأسلوب فيه عدم إظهار الفقر والذل والحاجة لله في الدعاء، فنهى عنه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ.

3ـ الثناء على الله ـ تبارك وتعالى ـ بين يدي دعائك.
        يقول الله ـ عز وجل ـ: (( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ))[25]. ويقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (( إذا صلى أحدكم ـ أي: أراد أن يدعو ـ فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه ))[26].
وكان الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ يكثرون من ذلك في أدعيتهم، ومن ذلك قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (( يا حي يا قيوم: برحمتك أستغيث ))[27].
ومن أمثلة أدعية الأنبياء ـ أيضاً ـ: دعاء يوسف ـ عليه السلام ـ: (( رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين ))[28]. فقدم الثناء على الدعاء.
فتثني على الله ـ عز وجل ـ بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، وعطاياه الجليلة، ونعمه الجميلة، وتقدم بين يدي دعائك ما يناسبه، فإذا سألت الله المغفرة؛ تقول: يا غفور يا رحيم، وإذا سألت الله الانتقام، تقول: يا قوي يا عزيز، وهكذا؛ حتى يكون ذلك سبباً في قبول دعائك.

4ـ الصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
        يقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (( إذا صلى أحدكم ـ أي: أراد أن يدعو ـ فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه، ثم ليصل على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ثم ليدع بعدُ بما شاء ))[29].
        والدعاء موقوف بين السماء والأرض، لا يصعد منه شيء، حتى تصلي على نبيك ـ صلى الله عليه وسلم ـ[30].
        قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: ( مفتاح الدعاء الصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، كما أن مفتاح الصلاة الطهور )[31].

5ـ دعاء الله ـ عز وجل ـ مع الإيقان بالإجابة.
يقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (( ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاهٍ ))[32].
وفي الحديث القدسي الذي يرويه نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ربنا ـ تبارك وتعالى ـ أنه ـ سبحانه ـ قال: (( أنا عند ظن عبدي بي؛ فليظن بي ما شاء ))[33].
        فإذا دعوت الله ـ عز وجل ـ، فأحضر قلبك في الدعاء، وتذكر أن الله بيده ملكوت السماوات والأرض، وبيده كل شيء، وأنه ـ سبحانه ـ العليم، الحكيم، الرحيم، القدير، الغني، الحميد.

6ـ الإلحاح في الدعاء.
        إذا تأملت في أدعية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ؛ وجدت فيها الإلحاح على الله ـ عز وجل ـ؛ بأنواع الإلحاح: فتجده ينوع الألفاظ، ويطيل الجُمَل، ويكرر الدعاء والاستغفار، ولا يتعجل فيترك الدعاء؛ لأن الله ـ عز وجل ـ يحب الإلحاح في الدعاء.
        فمن ذلك قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (( اللهم اغفر لي ما قدمت، وما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت ))[34]. فلم يكتف بقوله: اللهم اغفر لي ما صنعت. مع أنها تجمع كل ما سبق؛ لأن في إطالة الدعاء، وتنويع العبارات؛ مزيد إلحاح على الله.
        ومن ذلك ما أخبر به عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ (( أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يعجبه أن يدعو ثلاثاً، ويستغفر ثلاثاً ))[35]. فلم يكتف بالمرة الواحدة، لأن التكرار فيه إلحاح على الله.
        ويقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (( يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي ))[36].
قال أبو الدرداء ـ رضي الله عنه ـ: ( من يكثر قرع الباب؛ يوشك أن يفتح له، ومن يكثر الدعاء؛ يوشك أن يستجاب له )[37].
وقال الأوزاعي ـ رحمه الله ـ: ( كان يقال: أفضل الدعاء؛ الإلحاح على الله، والتضرع )[38].

7ـ استقبال القبلة.
        لورود ذلك عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، في أحاديث عديدة، منها ما كان يوم غزوة بدر، نظر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المشركين، فرأى أن عددهم أكثر بكثير من عدد المسلمين، فاستقبل القبلة، فدعا الله ـ تبارك وتعالى ـ أن ينصره عليهم[39].

8ـ الوضوء.
        فيستحب أن تدعو الله ـ عز وجل ـ وأنت على طهارة، لأن الدعاء ذكر لله ـ عز وجل ـ، وذكر الله يستحب له الوضوء.
وقد سلم على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجل، فلم يرد عليه السلام حتى توضأ، ثم رد عليه السلام، وقال له: (( إني كرهت أن أذكر الله ـ عز وجل ـ إلا على طهر ))[40].
فإن تيسر لك أن تتوضأ لدعائك فحسن، وإلا فلا حرج أن تدعو ولو لم تكن على وضوء، فقد (( كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يذكر الله على كل أحيانه ))[41].

9ـ رفع اليدين.
        يقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (( إن الله حيي كريم، يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صِفرًا[42] خائبتين ))[43].
        فرفع اليدين؛ فيه مزيد إظهار للذل والفاقة، إلى عطاء الله ـ عز وجل ـ ورحمته، فكان مستحباً في الدعاء، إلا في المواضع التي ورد فيها عدم رفع اليدين أثناء الدعاء، مثل: السجود، وغيره.

10ـ تحري الأدعية الجوامع.
        أجمع الأدعية وأنفعها: ما كان في الكتاب والسنة، فينبغي للإنسان أن يبحث عن هذه الأدعية، ويستعين بالكتب المؤلفة في الأدعية الواردة في الكتاب والسنة، ويدعو الله ـ عز وجل ـ بها، لأنه لا أَجَلَّ ولا أعظم من أدعية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأدعية الأنبياء.

11ـ تحري مظان الإجابة من: أحوال، وأوقات.
        فإن للدعاء أحوالاً وأوقاتاً هي مظنة الإجابة، فمن الأمور التي يُندَب إليها: أن يتحرى الإنسان هذه المَظانّ؛ ليكون ذلك أقرب إلى إجابة دعائه.
        فمن أمثلة ذلك:
ـ بين الأذان والإقامة؛ لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (( لا يُرَدُّ الدعاء بين الأذان والإقامة ))[44].
ـ في السجود؛ لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (( وأما السجود؛ فاجتهدوا في الدعاء، فقَمَنٌ أن يستجاب لكم ))[45]. ومعنى ( قَمَن ): جدير وحقيق وحَرِيٌّ.
ـ وقت السَّحَر؛ لأن الله ـ عز وجل ـ أثنى على المستغفرين في هذا الوقت، فقال ـ سبحانه ـ: (( وبالأسحار هم يستغفرون ))[46]، وقال: (( والمستغفرين بالأسحار ))[47]، ولأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخبر أن الله ـ عز وجل ـ ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل، فيقول: (( هل من سائل يعطى؟ هل من داع يستجاب له؟ هل من مستغفر يغفر له ))[48].
ـ وقت نزول المطر؛ لإخبار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن من الدعاء الذي لا يرد: (( الدعاء وقت المطر ))[49].
ـ ساعة الإجابة في يوم الجمعة؛ فإنه لا يوافقها عبد يدعو الله ـ عز وجل ـ إلا استجيب له، كما أخبر بذلك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ[50].
وهذه الساعة هي: وقت جلوس الخطيب على المنبر حتى ينتهي من الصلاة، أو هي: آخر ساعة من يوم الجمعة قبل أن تغرب الشمس.
ـ الصائم حال صومه وبالأخص قبل أن يفطر؛ لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (( ثلاثة لا ترد دعوتهم )). وذكر منهم: (( الصائم حتى يفطر ))[51]. وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (( إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد ))[52].
ـ دعاء الوالد لولده؛ لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (( ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهنّ )). وذكر منها: (( دعوة الوالد لولده ))[53].
وقد حذّر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من دعاء الوالد على ولده، خشية أن يستجاب، فقال: (( لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاء؛ فيستجيب لكم ))[54].
ـ المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب، فإن الملائكة تدعو له بمثل ما دعا به لأخيه، لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (( ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك: ولك بمثل ))[55].
ـ المضطر، لقول الله ـ عز وجل ـ: (( أَمَّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ))[56].
ـ المسافر، لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: (( ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن ))، وذكر منها: (( دعوة المسافر ))[57].
ـ المظلوم، فإن دعاءه مستجاب، أخبر عنه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأن دعوته: (( ليس دونها حجاب ))[58]. وأخبر أن الله ـ عز وجل ـ (( يفتح لها أبواب السماء، ويقول: بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين ))[59].
وليس معنى كون دعاء المظلوم مستجاباً؛ أنه يستحب له أن يدعو على ظالمه، بل إذا ظلمك أخوك المسلم؛ فيجوز لك أن تدعو عليه؛ لكن الأكمل أن تصبر وتحتسب، بل أكمل من ذلك ـ أيضاً ـ أن تضم إلى صبرك واحتسابك؛ أن تدعو له بالعفو والمغفرة؛ فإن الله ـ عز وجل ـ سيعوضك يوم القيامة ـ بإذنه تعالى ـ.
        وما سبق من مظان الإجابة، التي يكون فيها الإنسان أقرب إلى إجابة دعائه؛ إنما هي أمثلة، وهناك مظان أخرى كثيرة، وردت بها النصوص.

12ـ الاستغفار والتوبة وترك الذنوب والمعاصي.
يقول الله ـ عز وجل ـ مخبرًا عن قول نوح ـ عليه السلام ـ لقومه: (( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارًا * يرسل السماء عليكم مدرارًا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارًا ))[60].
ويُروى عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أنه خرج يستسقي فلم يزد على الاستغفار حتى رجع فأُمطروا فقالوا: ( ما رأيناك استسقيت )، فقال: ( لقد طلبت المطر بمجاديح[61] السماء التي يُستنزل بها المطر )، ثم قرأـ رضي الله عنه ـ: (( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارًا * يرسل السماء عليكم مدرارًا ))[62].
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (( إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: (( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً ))[63]. وقال ـ تعالى ـ: (( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ))[64]. ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث، أغبر[65]، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب. ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِيَ بالحرام، فأنى يستجاب لذلك ))[66].
قال وهب بن منبه ـ رحمه الله ـ: ( من سره أن يستجيب الله دعوته فليطب طعمته )[67].
وقال بعض السلف ـ رحمهم الله ـ: ( لا تستبطئ الإجابة وقد سددت طرقها بالمعاصي )[68].
ويقول بعضهم:
نحن ندعو الإله في كل كرب *** ثم ننساه عند كشف الكروب
كيف نرجو إجابةً لدعاء *** قد سددنا طريقَها بالذنوب
فعلينا أن نتوب إلى الله ـ تبارك وتعالى ـ، بأن نندم على ما فات، ونُقلعَ عن الذنوب والمعاصي، من أكل الحرام وغيره، ونعزم على أن لا نعود إلى المعاصي مرة أخرى، وأن نُرجع الحقوق إلى أصحابها؛ كي يكون ذلك أدعى إلى قبول الدعاء.
وهذه الآداب السابقة؛ إنما هي أمثلة، وهناك غيرها من الآداب كثير، وردت بها نصوص الكتاب والسنة.

وأخيرًا:
فعلى الإنسان أن يتوكل على الله ـ عز وجل ـ في جميع أموره، في جلب ما ينفعه، ودفع ما يضره، وأن يُنْزِلَ حاجاته بالله ـ سبحانه ـ، وأن يعلم أنه ما دام يدعو الله ـ سبحانه ـ فإنه مستفيد، ثبت له الأجر والمثوبة، سواء حصل له ما سأل، أم لم يحصل له ما سأل، وأن يعلم ـ كذلك ـ أن الله ـ عز وجل ـ أرحم به من نفسه، فلعل الله قد علم من فوق سبع سماواته؛ أن هذا الشيء الذي سألته الله ـ عز وجل ـ، لو أعطاك إياه؛ لكان فيه ضرر عليك، فادَّخَرَ هذا الدعاء لك، ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، فَأَكْثِر من الدعاء، ولا تتعجل الإجابة، واملأ قلبك بحسن الظن به ـ سبحانه ـ.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، أجمعين.





[1] رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث النعمان بن بشير ـ رضي الله عنه ـ.
[2] سورة: غافر، الآية: 60.
[3] سورة: الأعراف، الآية: 55.
[4] سورة: الأعراف، الآية: 56.
[5] سورة: الأنبياء، الآية: 90.
[6] سورة: السجدة، الآية: 16.
[7] سورة: البقرة، الآية: 186.
[8] سورة: الفرقان، الآية: 77.
[9] رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث النعمان بن بشير ـ رضي الله عنه ـ.
[10] رواه البخاري ومسلم.
[11] رواه الترمذي من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[12] أي: طالما كنت على ذلك، أنك تدعو وترجو.
[13] عنان السماء: سحاب السماء.
[14] بقراب الأرض ـ بضم القاف ـ، أي: بملء الأرض.
[15] رواه الترمذي من حديث أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ.
[16] رواه الترمذي وابن ماجه.
[17] رواه أحمد من حديث أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ.
[18] رواه مسلم من حديث أم الدرداء ـ رضي الله عنها ـ.
[19] سورة: الأعراف، الآية: 29.
[20] سورة: غافر، الآية: 14.
[21] رواه أحمد والترمذي من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
[22] سورة: فاطر، الآية: 15.
[23] سورة: إبراهيم، الآية: 8.
[24] رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[25] سورة: الأعراف، الآية: 180.
[26] رواه أحمد وأبو داود والترمذي من حديث فضالة بن عبيد ـ رضي الله عنه ـ.
[27] رواه الترمذي من حديث أنس ـ رضي الله عنه ـ.
[28] سورة: يوسف، الآية: 110.
[29] رواه أحمد وأبو داود والترمذي من حديث فضالة بن عبيد ـ رضي الله عنه ـ.
[30] ورد في الترمذي من كلام عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ موقوفاً عليه، قال ابن العربي: ( ومثل هذا لا يقال من قبل الرأي، فيكون له حكم الرفع ). فتح الباري، لابن حجر، 11/164.
[31] جلاء الأفهام في فضل الصلاة على محمد خير الأنام.
[32] رواه الترمذي من حديث أبي هريرة.
[33] رواه ابن حبان في صحيحه من حديث واثلة بن الأسقع ـ رضي الله عنه ـ.
[34] رواه مسلم في صحيحه من حديث علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ.
[35] رواه أبو داود.
[36] رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[37] أخرجه البيهقي في شعب الإيمان.
[38] رواه البيهقي في شعب الإيمان.
[39] رواه مسلم من حديث عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ.
[40] رواه أبو داود من حديث المهاجر بن قنفذ ـ رضي الله عنه ـ.
[41] رواه مسلم من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ.
[42] صفرًا، أي: خالية.
[43] رواه أبو داود والترمذي وغيرهما من حديث سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ.
[44] رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
[45] رواه مسلم من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
[46] سورة: الذاريات، الآية: 18.
[47] سورة: آل عمران، الآية: 17.
[48] رواه مسلم من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[49] رواه أبو داود من حديث سهل بن سعد ـ رضي الله عنه ـ.
[50] رواه مسلم من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[51] رواه أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[52] رواه ابن ماجه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ.
[53] رواه أحمد وأبو داود من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[54] رواه مسلم من حديث عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ.
[55] رواه مسلم من حديث أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ.
[56] سورة: النمل، الآية: 62.
[57] رواه أحمد وأبو داود من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[58] رواه أحمد من حديث أنس ـ رضي الله عنه ـ.
[59] رواه أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[60] سورة: نوح، الآية: 10 ـ 12.
[61] أراد بالمجاديح: أسباب نزول المطر. وانظر: النهاية في غريب الحديث والأثر لأبي السعادات.
[62] سورة: نوح، الآية: 10 ـ 11.
[63] سورة: المؤمنون، الآية: 51.
[64] سورة: البقرة، الآية: 172.
[65] أشعث: مفرق الشعر غير مرتب. أغبر: من الغبار الذي يكون على جسده. وهذا الشعث وهذه الغبرة من كثرة أسفاره التي يسافرها في الطاعات من حج وجهاد وصلة رحم ونحو ذلك.
[66] رواه مسلم.
[67] جامع العلوم والحكم للحافظ ابن رجب ـ رحمه الله ـ.
[68] رواه البيهقي في شعب الإيمان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق