(( وكبره تكبيرًا )) [ الإسراء: 111 ]
ذكر الله ـ عز وجل ـ
أمره بتكبيره، في آخر سورة الإسراء، في سياق ذكر شيء من مظاهر العظمة والجلال،
والعزة والكبرياء، التي يتصف بها ـ جل جلاله ـ، فقال ـ عز من قائل ـ: (( وقل الحمد
لله الذي لم يتخذ ولدًا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره
تكبيرًا )).
وأَمْرُ الله ـ عز وجل
ـ بتكبيره، يدل على أن تكبيره ـ جل وعلا ـ عبادة، محبوبة له ـ سبحانه ـ، يُروى عن
عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: ( قول العبد: الله أكبر، خير من الدنيا
وما فيها )[1].
ومعنى التكبير: التعظيم.
فالله ـ تبارك وتعالى ـ أكبر، وأعظم، وأجل، من كل شيء، فهو الذي خضعت له الرقاب،
وذلت له الجبابرة، وعنت له الوجوه، ودانت له الخلائق، وتواضعت لجلاله الأشياء،
واستكانت بين يديه وتحت حكمه وقهره جميع المخلوقات.
ويدور تكبيرك لله ـ عز
وجل ـ، في اعتقادك، على أمور:
1ـ أن تعتقد أن الله ـ عز وجل ـ أكبر من كل شيء في أفعاله، من خلق،
ورزق، وتدبير، وإحياء، وإماتة، وتصرف في الكائنات.
2ـ أن تعتقد أن الله ـ سبحانه ـ أكبر من كل شيء في استحقاقه للعبادة،
فلا يستحق أن يعبد إلا هو ـ سبحانه ـ، فكل أنواع العبادة، القولية، العملية، من أعمال
القلوب، وأعمال الجوارح، لا ينبغي أن تصرف لغير الله ـ تبارك وتعالى ـ.
3ـ أن تعتقد أن الله ـ تبارك وتعالى ـ أكبر من كل شيء في أسمائه
وصفاته، فإن له ـ سبحانه ـ الأسماء الحسنى، والصفات العلا، لا يماثله فيها مماثل،
فهو الله الذي لا إله إلا هو، المتصف بصفات الكمال، من صفات الجلال، وصفات الجمال.
4ـ أن تعتقد أن الله ـ جل جلاله ـ أكبر من كل شيء في حكمه الشرعي، فما
أمر الله ـ عز وجل ـ به في كتابه، أو في سنة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ؛ خير
كله، وما نهى عنه ـ سبحانه ـ في كتابه، أو في سنة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ؛ شر
كله.
5ـ أن تعتقد أن الله ـ تقدست أسماؤه ـ أكبر من كل شيء في حكمه الكوني،
فما يقع في هذا الكون، من سراء وضراء، وحسنة وسيئة، وابتلاء بنعمة من النعم أو
مصيبة من المصائب؛ فكله بقضاء وقدر، وكله لحكمة بالغة.
فإذا تلفظت بكلمة ( الله أكبر )، في افتتاح صلاتك، أو في أذانك، أو في
أذكارك أدبار صلاتك، أو سمعت هذه الكلمة، فتذكر أن الله أكبر من كل شيء، في هذه المعاني
السابقة.
وإذا ذكرت الله ـ عز وجل ـ بأنواع الذكر، من تهليل، وتحميد، وتسبيح،
ونحو ذلك، فتذكر أن ذلك من أنواع التكبير، الذي هو التعظيم لله ـ عز وجل ـ.
وإذا تعبدت لله ـ تبارك وتعالى ـ بأنواع العبادات، من صلاة، وصيام،
وزكاة، وحج، وبر بالوالدين، وصلة للأرحام، ونصح للخلق، فتذكر أن ذلك من أنواع
التكبير، الذي هو التعظيم لله ـ عز وجل ـ.
وإذا تعبدت لله ـ عز وجل ـ بترك المنكرات، والموبقات، والفواحش، وسائر
المعاصي، كبيرها، وصغيرها؛ فتذكر أن ذلك من أنواع التكبير، الذي هو التعظيم لله ـ
عز وجل ـ.
يقول ابن جرير الطبري ـ رحمه الله ـ في تفسير قول الله ـ عز وجل ـ: ((
وكبره تكبيرًا )) : ( وعظِّم ربك يا محمد بما أمرك أن تعظمه به من قول وفعل، وأطعه
فيما أمرك ونهاك )[2].
فانتظمت في هذه الكلمة، هذه المعاني العميقة، التي تغيب عن بال
الإنسان، إذا لم يمعن الفكر والنظر، ويعيد التأمل والتدبر، في خير الكلام وأحسنه،
كلام الله ـ عز وجل ـ.
ـ هذه المقالة نشرت في الملحق الرمضاني بجريدة البيان الإماراتية 1435هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق