الثلاثاء، 21 يونيو 2016

( بحث ): وجوب طاعة ولي الأمر

وجوب طاعة ولي الأمر

        الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فهذا بحث بعنوان: ( وجوب طاعة ولي الأمر )، كتبته بتكليف من: دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري، بدبي، انتهجت فيه منهج التأصيل، فأكثرت فيه النقول، من الوحيين الشريفين، وسلف الأمة الماضين، والعلماء الراسخين، من غير قصد استيعاب[1]، واقتصرت فيه من المسائل على ما يدخل في عنوان البحث، أو يتصل به اتصالاً مباشرًا، كذكر النصوص التي فيها النصح لهم، إذ من النصح: السمع والطاعة لهم[2]، وكذكر نصوص تحريم الخروج عليهم؛ إذ هي صورة من صور شق عصا الطاعة، ونحو ذلك من المسائل، وأعرضت عن إيراد مسائل كثيرة متعلقة بولاة الأمور، من بيان حقوقهم الأخرى الواجبة لهم، وبيان الحقوق التي تجب للأمة عليهم، ورد الشبهات المثارة؛ التزاماً بموضوع البحث، وإذا استرسلت في ذكر شيء من ذلك، لمناسبة ما: جعلته في الحاشية[3]، وقد جعلت هذا البحث يدور على أمرين:
أحدهما: ذكر شيء من نصوص الكتاب والسنة.
ثانيهما: إيراد بعض الآثار عن السلف الماضين، وكلام من سار سيرهم من العلماء العاملين.
        فأسأل الله ـــ عز وجل ـــ أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به.

كتبه/ عمار سعيد خادم أحمد بن طوق المري
  واعظ أول بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري ـــ بدبي
                                   يوم الثلاثاء 10/ ذو القعدة/ 1436ه
                                        الموافق: 25/ 8/ 2015م










تمهيد:
إن أصل: ( الإمامة والجماعة )، الذي يتضمن: ( السمع والطاعة لولي الأمر المسلم )، من أجل الأصول الشرعية، التي دعت إليها نصوص الكتاب والسنة، وحث عليها سلف هذه الأمة، ومن سار سيرهم من العلماء الراسخين، والأئمة المهديين، وذلك أن به ـــ مع غيره من الأصول ـــ: انتظام أمر الدين والدنيا، وصيانة المجتمع المسلم.
ولما بعث الله ـــ عز وجل ـــ نبينا محمدًا ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ، بالحنيفية السمحة، المائلة عن دين المشركين: أصّل أصولاً يقوم عليها دين الإسلام، خالف بها أهل الجاهلية، ومن أجل هذه الأصول، بعد توحيد الله ـــ عز وجل ـــ، واتباع الرسول ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ، والاجتماع على الدين الحق: السمع والطاعة لولي الأمر المسلم.
يقول الإمام المجدد/ محمد بن عبد الوهاب ـــ رحمه الله تعالى ـــ، في كتابه: ( مسائل الجاهلية ): ( هذه أمور خالف فيها رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ: ما عليه أهل الجاهلية: الكتابيين والأميين، مما لا غنى للمسلم عن معرفتها ... :
1ـ أنهم يتعبدون بإشراك الصالحين، في دعاء الله، وعبادته ...
2ـ أنهم متفرقون في دينهم ...
3ـ أن مخالفة ولي الأمر، وعدم الانقياد له: فضيلة، والسمع والطاعة له: ذل ومهانة؛ فخالفهم رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ، وأمر بالصبر على جور الولاة، وأمر بالسمع والطاعة لهم، والنصيحة، وغلّظ في ذلك، وأبدى فيه، وأعاد.
وهذه الثلاث، هي التي جمع بينها، فيما صح عنه، في الصحيحين، أنه قال: (( إن الله يرضى لكم ثلاثاً: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ))[4].
ولم يقع خلل في دين الناس، ودنياهم: إلا بسبب الإخلال بهذه الثلاث، أو بعضها )[5].
وهذا الذي كان عليه النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ، من تعظيم شأن الإمامة في الدين: هو الذي كان عليه من تربى على يديه، من الصحابة، ومن تبعهم على منهاجهم، من علماء المسلمين.
فهذا الصحابي الجليل/ علي بن أبي طالب ـــ رضي الله تعالى عنه ـــ، يقول: ( لا يُصلِحُ الناسَ إلا أمير: بر، أو فاجر ). قالوا : ( يا أمير المؤمنين هذا البر، فكيف الفاجر ؟! ). قال: ( إن الفاجر: يُؤَمِّن الله ـــ عز وجل ـــ به السبيل، ويجاهد به العدو، ويجيء به الفيء، وتقام به الحدود، ويحج به البيت، ويعبد اللهَ فيه المسلمُ آمناً حتى يأتيه أجله )[6].
وهكذا صرح الأئمة بعدهم بذلك، كما سترى نماذج منه في هذه الرسالة، ومنهم الإمام/ أحمد ـــ رحمه الله ـــ، الذي قال حين وقعت الفتن في زمنه: ( لابد للمسلمين من حاكم، أتذهب حقوق الناس ؟! )[7]. وقال ـــ أيضاً ـــ رحمه الله ـــ: ( والفتنة: إذا لم يكن إمام يقوم بأمر الناس )[8]. فنص ـــ رضي الله عنه ـــ على: أنه لابد للناس من حاكم، وعلى: أن عدم وجود إمام يقوم بأمر الناس، هو: الفتنة.
ومن بديع المعاني ورائق العبارات: ما صاغه الفقيه/ أبو عبد الله القلعي، الشافعي ـــ رحمه الله ـــ، في بيان عظيم شأن الإمامة، حيث قال:
( نظام أمر الدين والدنيا مقصود، ولا يحصل ذلك إلا بإمام موجود.
لو لم نقل بوجوب الإمامة: لأدى ذلك إلى دوام الاختلاف والهرج، إلى يوم القيامة.
لو لم يكن للناس إمام مطاع: لانثلم شرف الإسلام، وضاع.
لو لم يكن للأمة إمام قاهر: لتعطلت المحاريب والمنابر، وانقطعت السبل للوارد والصادر.
لو خَلِيَ عصر من إمام: لتعطلت فيه الأحكام، وضاعت الأيتام، ولم يحج البيت الحرام.
لولا الأئمة والقضاة والسلاطين والولاة: لما نكحت الأيامى، ولا كفلت اليتامى.
لولا السلطان: لكان الناس فوضى، ولأكل بعضهم بعضاً )[9].
ولما كانت للإمامة المكانة العلية، بدلائل الوحيين، وإقرار العقول الصحيحة المستقيمة، وشواهد الواقع: ثبت إجماع العلماء، على وجوب نصب إمام مطاع، ولم يخالف في ذلك أحد من أهل العلم المعتبرين. كما قال القرطبي ـــ رحمه الله تعالى ـــ: ( ولا خلاف في وجوب ذلك ـــ أي: عقد الإمامة ـــ بين الأمة، ولا بين الأئمة، إلا ما روي عن الأصم، حيث كان عن الشريعة أصم، وكذلك كل من قال بقوله، واتبعه على رأيه ومذهبه )[10].
ولما كانت الإمامة لا تَتَحَقّق مقاصدها، ولا تُتَحصّل مصالحها، إلا بسمع وطاعة للإمام: كان ذلك محل العناية العظمى، والاهتمام البالغ، فإنه ـــ كما هو معلوم ـــ: لا دين إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمامة، ولا إمامة إلا بسمع وطاعة. وهذا المبحث: هو الذي عقدت عليه هذه الرسالة.




أولاً: ذكر شيء من نصوص الكتاب والسنة الدالة على هذا الأصل:

1ـ يقول الله ـــ عز وجل ـــ: (( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ))[11].
        وأولوا الأمر، قيل: العلماء، وقيل: الأمراء، وقيل: تشملهما، وهو الذي عليه جمهور العلماء.
        قال ابن كثير ـــ رحمه الله ـــ: ( والظاهر ـــ والله أعلم ـــ: أن الآية في جميع أولي الأمر، من: الأمراء والعلماء )[12].
وقال النووي ـــ رحمه الله ـــ: ( المراد بأولي الأمر: من أوجب الله طاعته، من الولاة والأمراء هذا قول جماهير السلف والخلف، من المفسرين والفقهاء وغيرهم، وقيل: هم العلماء، وقيل: الأمراء والعلماء )[13].
لطيفة: قال ابن سعدي ـــ رحمه الله ـــ: ( ثم أمر بطاعته، وطاعة رسوله، وذلك امتثال أمرهما: الواجب والمستحب، واجتناب نهيهما، وأمر بطاعة أولي الأمر، وهم: الولاة على الناس، من: الأمراء، والحكام[14]، والمفتين، فإنه لا يستقيم للناس أمر دينهم ودنياهم إلا بطاعتهم، والانقياد لهم، طاعةً لله، ورغبة فيما عنده، ولكن بشرط أن لا يأمروا بمعصية الله، فإن أمروا بذلك؛ فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولعل هذا هو السر في حذف الفعل عند الأمر بطاعتهم[15]، وذكره مع طاعة الرسول؛ فإن الرسول لا يأمر إلا بطاعة الله، ومن يطعه فقد أطاع الله، وأما أولو الأمر فشرط الأمر بطاعتهم أن لا يكون معصية )[16].

عن عبد الله بن عمر ـــ رضي الله عنهما ـــ، عن النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ قال: (( السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره، مالم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة )). رواه البخاري ومسلم[17].

3ـ عن أبي هريرة ـــ رضي الله عنه ـــ قال: قال رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ: (( عليك السمع والطاعة، في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك )). رواه مسلم[18].
قال ابن الأثير ـــ رحمه الله ـــ: ( ( منشطك ): المنشط مفعل من النشاط، أي: في حالة نشاطك. وكذلك قوله: ( ومكرهك )، أي: في حالة كراهتك. والمراد: في حالتي الرضى والسخط، والعسر واليسر، والخير والشر )[19].
قال النووي ـــ رحمه الله ـــ: ( قال العلماء: معناه تجب طاعة ولاة الأمور فيما يشق وتكرهه النفوس وغيره، مما ليس بمعصية، فإن كانت لمعصية فلا سمع ولا طاعة ..
والأثرة ... وهي: الاستئثار والاختصاص بأمور الدنيا عليكم، أي: اسمعوا وأطيعوا وإن اختص الأمراء بالدنيا، ولم يوصلوكم حقكم مما عندهم.
وهذه الأحاديث في الحث على السمع والطاعة في جميع الأحوال، وسببها: اجتماع كلمة المسلمين، فإن الخلاف سبب لفساد أحوالهم، في دينهم ودنياهم )[20].

4ـ عن عبادة بن الصامت ـــ رضي الله عنه ـــ، قال: دعانا النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ، فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا أن بايَعَنَا على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرًا بواحاً عندكم من الله فيه برهان )). رواه البخاري ومسلم[21].
        ورواه ابن حبان[22] بلفظ: ( اسمع وأطع، في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك، وإن أكلوا مالك، وضربوا ظهرك، إلا أن يكون معصية ).
        ويلاحظ في هذا الحديث أن النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ أخذ على ذلك البيعة، وهي العهد والعقد، يقول ابن الأثير ـــ رحمه الله ـــ: ( هو: عبارة عن المعاقدة عليه، والمعاهدة، كأن كل واحد منهما باع ما عنده من صاحبه، وأعطاه خالصةَ نفسه، وطاعتَه، ودخيلةَ أمره )[23]. فدل ذلك على عظيم أهمية ما وقع التعاهد عليه.

        5ـ عن علي بن أبي طالب ـــ رضي الله عنه ـــ، عن النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ، قال: (( إنما الطاعة في المعروف )). رواه البخاري ومسلم[24].

        6ـ عن جرير بن عبد الله ـــ رضي الله عنه ـــ قال: ( بايعت النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ على السمع والطاعة، فلقّنني: (( فيما استطعت ))، والنصحِ لكل مسلم ). رواه البخاري ومسلم[25].

7ـ عن أبي ذر ـــ رضي الله عنه ـــ قال: (( إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع، وإن كان عبدًا مُجدّع الأطراف )). رواه مسلم[26].
ورواه ابن حبان في صحيحه[27]، ولفظه: عن عبد الله بن الصامت، قال: قدم أبو ذر على عثمان من الشام، فقال: يا أمير المؤمنين ! افتح الباب حتى يدخل الناس، أتحسبني من قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم على فُوقه، هم شر الخلق والخليقة، والذي نفسي بيده لو أمرتني أن أقعد لما قمت، ولو أمرتني أن أكون قائماً لقمت ما أمكنتني رجلاي، ولو ربطتني على بعير لم أطلق نفسي حتى تكون أنت الذي تطلقني. ثم استأذنه أن يأتي الربذة، فأذن له، فأتاها، فإذا عبد يؤمهم، فقالوا: أبو ذر، فنكص العبد، فقيل له: تقدم، فقال: أوصاني خليلي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ بثلاث: (( أن أسمع وأطيع، ولو لعبد حبشي مجدع الأطراف ...)) الحديث.
قال الحافظ ابن حجر ـــ رحمه الله ـــ: ( وأما لو تغلب عبد حقيقة بطريق الشوكة فإن طاعته تجب إخمادًا للفتنة، ما لم يأمر بمعصية )[28].

8ـ عن أنس ابن مالك ـــ رضي الله عنه ـــ، قال: قال رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ: (( اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأنّ رأسه زبيبة )). رواه البخاري[29].

9ـ عن معاوية ـــ رضي الله عنه ـــ، عن النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ، قال: (( إن السامع المطيع لا حجة عليه، وإن السامع العاصي لا حجة له )). رواه ابن أبي عاصم[30].

10ـ عدي ابن حاتم ـــ رضي الله عنه ـــ، قال: قلنا: يا رسول الله ! لا نسألك عن طاعة من اتقى، ولكن من فعل وفعل ـــ فذكر الشر ـــ، فقال: (( اتقوا الله واسمعوا وأطيعوا )). رواه ابن أبي عاصم[31].

11ـ عن ابن عباس ـــ رضي الله عنهما ــ، عن النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ قال: (( من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر؛ فإنه من فارق الجماعة شبرًا فمات، إلا مات مِيتةً جاهلية )). رواه البخاري ومسلم[32].
قال الحافظ ابن حجر ـــ رحمه الله ـــ: ( قال ابن أبي جمرة: المرادُ بالمفارقة: السعيُ في حلّ عقد البيعة، التي حصلتْ لذلك الأمير، ولو بأدنى شيء، فكنَّى عنها بمقدار الشِّبر؛ لأنَّ الأخذَ في ذلك يؤول إلى سفك الدماء بغير حقٍّ ...
والمراد بالميتة الجاهلية، وهي بكسر الميم: حالة الموت، كموت أهل الجاهلية، على ضلال، وليس له إمام مطاع؛ لأنهم كانوا لا يعرفون ذلك، وليس المراد أنه يموت كافرًا، بل يموت عاصياً ...
قال ابن بطَّال: في الحديث حجَّةٌ في ترك الخروج على السلطان ولو جار، وقد أجمع الفقهاءُ على وجوب طاعة السلطان المتغلِّب والجهادِ معه، وأنَّ طاعتَه خيرٌ مِن الخروج عليه؛ لِما في ذلك مِن حَقنِ الدِّماء وتسكينِ الدَّهماء، وحجتُّهم هذا الخبرُ وغيرُه مِمَّا يساعده، ولم يستثنوا مِن ذلك إلاَّ إذا وقع من السلطان الكفرُ الصَّريحُ، فلا تجوزُ طاعتُه في ذلك، بل تجب مجاهدَتُه لِمَن قدر عليها، كما في الحديث الذي بعده[33] )[34].

12ـ عن أبي هريرة ـــ رضي الله عنه ـــ، عن النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ أنه قال: (( من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات؛ فميتته جاهلية )). رواه مسلم[35].
قال الصنعاني ـــ رحمه الله ـــ في شرحه لهذا الحديث: ( قوله: (( عن[36] الطاعة ))، أي: طاعة الخليفة الذي وقع الاجتماع عليه، وكأن المراد خليفة أي قطر من الأقطار؛ إذ لم يجمع الناس على خليفة في جميع البلاد الإسلامية من أثناء الدولة العباسية، بل استقل أهل كل إقليم بقائم بأمورهم؛ إذ لو حمل الحديث على خليفة اجتمع عليه أهل الإسلام: لقلت فائدته.
وقوله: (( وفارق الجماعة ))، أي: خرج عن الجماعة الذين اتفقوا على طاعة إمام انتظم به شملهم، واجتمعت به كلمتهم، وحاطهم عن عدوهم )[37].

13ـ عن عبد الله بن عمر ـــ رضي الله عنهما ـــ قال: سمعت رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ يقول: (( من خلع يدًا من طاعة: لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة: مات مِيتة جاهلية )). رواه مسلم[38].
        فالذي يخرج على ولي أمره، إما أن يقول: إني مبايع وقد نقضت البيعة، فقد أجابه النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ، بأنه لا حجة له، وإما أن يقول: لست مبايعاً أصلاً فليس خروجي نقضاً للبيعة، فقد أجابه النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ، بأن مِيتته جاهلية، فليس إذًا إلا السمع والطاعة لولي الأمر المسلم.

14 ـ عن حذيفة بن اليمان ـــ رضي الله عنه ـــ قال: قلت: يا رسول الله ! إنا كنا بشر فجاء الله بخير فنحن فيه، فهل من وراء هذا الخير شر ؟ قال: (( نعم ))، قلت: هل وراء ذلك الشر خير ؟ قال: (( نعم ))، قلت: فهل وراء ذلك الخير شر ؟ قال: (( نعم ))، قلت: كيف ؟ قال: (( يكون بعدي أئمة، لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين، في جثمان إنس )) قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك ؟ قال: (( تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك، فاسمع وأطع )). رواه مسلم[39].

15ـ عن وائل بن حُجر ـــ رضي الله عنه ـــ، قال: سأل سلمةُ بن يزيد الجعفي رسولَ الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ، فقال: يا نبيَّ الله ! أرأيتَ إن قامتْ علينا أُمراءُ، يسألونا حقَّهم، ويمنعونا حقَّنا، فما تأمرنا ؟ فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم سأله في الثانية أو في الثالثة، فجذبه الأشعث بن قيس، وقال ـــ أي: النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ: (( اسمعوا وأطيعوا؛ فإنَّما عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حُمِّلتُم )). رواه مسلم[40].
وهذا الحديث فيه رد من النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ، على من يشترط اليوم لأدائه حقوق ولي الأمر، أن يؤدي ولي الأمر كل حقوقه إليه.

16ـ عن عبد الله بن مسعود ـــ رضي الله عنه ـــ، أن رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ قال: (( إنها ستكون بعدي أثرة، وأمور تنكرونها ))، قالوا: يا رسول الله ! كيف تأمر من أدرك منا ذلك ؟ قال: (( تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم )). رواه البخاري ومسلم[41].
قال النووي ـــ رحمه الله تعالى ـــ: ( فيه: الحث على السمع والطاعة، وإن كان المتولي ظالماً عسوفاً، فيُعطى حقّه من الطاعة، ولا يُخرج عليه، ولا يُخلع، بل يُتضرع إلى الله ـــ تعالى ـــ في كشف أذاه، ودفع شره، وإصلاحه، وتقدم قريباً ذكر اللغات الثلاث في الأثرة، وتفسيرها، والمراد بها ـــ هنا ـــ: استئثار الأمراء بأموال بيت المال. والله أعلم )[42].

17ـ عن أسيد بن حضير ـــ رضي الله عنه ـــ: أن رجلاً من الأنصار قال: يا رسول الله ! ألا تستعملني كما استعملت فلاناً ؟ فقال: (( إنكم ستلقون بعدي أثرةً؛ فاصبروا حتى تلقوني على الحوض )). رواه البخاري ومسلم[43].
        وهذا الحديث في معنى الحديث الذي قبله، فأمر بالصبر، والخروجُ وتركُ الطاعة ينافي الصبر.

        18ـ عن عوف بن مالك الأشجعي ـــ رضي الله عنه ـــ قال: سمعت رسولَ الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ يقول: (( خيارُ أئمَّتكم الذين تحبُّونهم ويحبّونكم، وتُصلُّون عليهم ويُصلُّون عليكم، وشِرارُ أئمَّتكم الذين تُبغضونهم ويُبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قالوا: قلنا: يا رسول الله ! أفلا ننابذُهم عند ذلك ؟ قال: (( لا ما أقاموا فيكم الصلاةَ، لا ما أقاموا فيكم الصلاةَ، ألا مَن وليَ عليه والٍ، فرآه يأتِي شيئاً مِن معصية الله: فليكره ما يأتِي مِن معصية الله، ولا ينزعنَّ يداً مِن طاعةٍ )). رواه مسلم[44].

19ـ عن أم سلمة ـــ رضي الله عنها ـــ، عن النَّبيِّ ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ أنَّه قال: (( إنَّه يُستعمل عليكم أُمراءُ، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئَ، ومَن أنكر فقد سلِم، ولكن: مَن رضي وتابع ))، قالوا: يا رسول الله ! ألا نقاتلُهم ؟ قال: (( لا ما صلّوا )). رواه مسلم[45].

20ـ عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـــ رضي الله عنهما ـــ، قال: كنا مع رسول اللَّه ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ في سفر فنزلنا منزلاً، فمنّا من يصلح خباءه، ومنَّا من ينتضل، ومنَّا من هو في جَشَرِهِ، إِذ نادى منادي رسول اللَّه ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ: ( الصلاةَ جامعةً ). فاجتمعنا إلى رسول اللَّه ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ فقال: (( إنه لم يكن نبيّ قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شرّ ما يعلمه لهم، وإنَّ أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء فتنة فيرقّق بعضها بعضاً، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحبَّ أن يُزحزح عن النَّار ويُدخل الجنَّة: فلتأته منيته وهو يؤمنُ بالله واليوم الآخِر، وليأتِ إلى النَّاس الذي يحبُّ أن يُؤتى إليه، ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه: فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه: فاضربوا عنق الآخر )). رواه مسلم[46].

21ـ عن أبي هريرة ـــ رضي الله عنه ـــ، عن النَّبيِّ ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ قال: (( مَن أطاعني فقد أطاع اللهَ، ومَن يعصِني فقد عصى اللهَ، ومَن يُطع الأميرَ فقد أطاعني، ومَن يعصِ الأميرَ فقد عصاني )). رواه البخاري ومسلم[47].
        قال ابن حجر ـــ رحمه الله ـــ: ( وفي الحديث: وجوب طاعة ولاة الأمور، وهي مقيدة بغير الأمر بالمعصية، والحكمة في الأمر بطاعتهم: المحافظة على اتفاق الكلمة؛ لما في الافتراق من الفساد )[48].

22ـ عن تميم الداري ـــ رضي الله عنه ـــ، أن النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ قال: (( الدِّينُ النَّصيحةُ ))، قال: قلنا: لِمَن ؟ قال: (( لله ولكتابه ولرسوله ولأئمَّة المسلمين وعامَّتِهم )). رواه مسلم[49].
قال ابن رجب ـــ رحمه الله ـــ: ( قال أبو عمرو بن الصلاح: النصيحة: كلمة جامعة تتضمن قيام الناصح للمنصوح له بوجوه الخير: إرادة، وفعلاً ...
والنصيحة لأئمة المسلمين: معاونتهم على الحق، وطاعتهم فيه، وتذكيرهم به، وتنبيههم في رفق ولطف، ومجانبة الوثوب عليهم، والدعاء لهم بالتوفيق، وحث الأغيار[50] على ذلك )[51].

23ـ عن أبي هريرة ـــ رضي الله عنه ـــ، أنَّ رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ قال: (( إنَّ اللهَ يرضى لكم ثلاثاً، ويسخطُ لكم ثلاثاً: يرضى لكم: أن تعبدوه ولا تُشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً، وأن تناصحوا من ولاَّه الله أمركم، ويسخطُ لكم: قيلَ وقالَ، وإضاعةَ المال، وكثرةَ السؤال )). رواه مالك وأحمد[52].
وقد تقدم بيان معنى النصيحة لولي الأمر.

24ـ عن عبد الله بن مسعود ـــ رضي الله عنه ـــ، عن النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ قال: (( ثلاث لا يغلُّ عليهنَّ قلبُ مسلم: إخلاصُ العمل لله، ومناصحة أئمة المسلمين، ولزومُ جماعتهم؛ فإنَّ الدعوة تُحيطُ مِن ورائهم )). رواه الترمذي. ورواه أحمد وابن ماجه من حديث جبير بن مطعم. ورواه أحمد من حديث زيد بن ثابت[53].
        قال ابن القيم ـــ رحمه الله ـــ: ( وقوله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ: (( ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم )) إلى آخره، أي: لا يحمل الغِلَّ، ولا يبقى فيه مع هذه الثلاثة؛ فإنَّها تنفي الغِلَّ والغِشَّ، وهو: فسادَ القلب وسخايمَه ..
وقوله: (( ومناصحةُ أئمّة المسلمين )): هذا أيضاً منافٍ للغلِّ والغشِّ؛ فإنَّ النَّصيحةَ لا تجامعُ الغلَّ؛ إذ هي ضدّه، فمَن نصح الأئمَّةَ والأمَّةَ: فقد برِئَ مِن الغلّ[54].
وقولُه: (( ولزومُ جماعتهم )): هذا أيضاً مِمَّا يطهِّرُ القلبَ مِن الغلِّ والغشِّ؛ فإنَّ صاحبَه للزومه جماعةَ المسلمين: يحبُّ لهم ما يحبُّ لنفسه، ويكره لهم ما يكره لها، ويسوؤه ما يسوؤهم، ويسرُّه ما يسرُّهم، وهذا بخلاف من انحاز عنهم، واشتغل بالطعن عليهم، والعيب والذم لهم )[55].

        25ـ عن معاذ بن جبل ـــ رضي الله عنه ـــ، قال: عهد إلينا رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ في خمس، من فعل منهن كان ضامناً على الله: (( من عاد مريضاً، أو خرج مع جنازة، أو خرج غازياً في سبيل الله، أو دخل على إمام يريد بذلك تعزيره وتوقيره، أو قعد في بيته فيسلم الناس منه وسلم )). رواه أحمد[56].
ومن توقيره وتعزيره: أداء حقه من السمع والطاعة.

        26ـ عن أبي بكرة ـــ رضي الله عنه ـــ قال: سمعت رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ، يقول: (( السلطان ظل الله في الأرض؛ فمن أكرمه أكرم الله، ومن أهانه أهانه[57] الله )). رواه ابن أبي عاصم[58].
        ورواه ابن أبي عاصم[59] ـــ أيضاً ـــ بلفظ آخر عنه ـــ رضي الله عنه ـــ، أن النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ قال: (( من أجلّ سلطان الله: أجله الله يوم القيامة )).
        وعن زياد بن كسيب العدوى، قال: كنت مع أبي بكرة تحت منبر ابن عامر، وهو يخطب، وعليه ثياب رِقاق، فقال أبو بلال: انظروا إلى أميرنا يلبس ثياب الفساق !، فقال أبو بكرة: اسكت، سمعت رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ يقول: (( من أهان سلطان الله في الأرض: أهانه الله )). رواه الترمذي[60].
        قال المناوي ـــ رحمه الله ـــ: ( ( ظل الله )، أي: يدفع به الأذى عن الناس، كما يدفع الظل أذى حر الشمس )[61].
        وفهم الصحابي ـــ رضي الله عنه ـــ للحديث: يدل على أن وجود المنكر؛ لا يسوغ لأحد الاستهانة بولي الأمر، فالمنكر لا يسوّغ المنكر.

27ـ عن معاوية بن أبي سفيان ـــ رضي الله عنه ـــ، قال: لما خرج أبو ذر إلى الربذة؛ لقيه ركب من أهل العراق، فقالوا: يا أبا ذر ! قد بلغنا الذي صُنع بك، فاعقد لواءً يأتيك رجال ما شئت. قال: مهلاً يا أهل الإسلام !، فإني سمعت رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ يقول: (( سيكون بعدي سلطان، فأعزروه[62]، من التمس ذله ثَغَرَ ثغرة في الإسلام، ولم يُقبل منه توبة، حتى يعيدها كما كانت )). رواه ابن أبي عاصم[63].

        28ـ عن أبي أمامة ـــ رضي الله عنه ـــ، قال: سمعت رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ يقول: (( إنه لا نبي بعدي، ولا أمة بعدكم، ألا فاعبدوا ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، طيبةً بها نفوسكم، وأطيعوا أمراءكم، تدخلوا جنة ربكم )). رواه ابن أبي عاصم[64].


ثانياً: إيراد بعض الآثار عن السلف الماضين، وكلام من سار سيرهم من العلماء العاملين، في بيان هذا الأصل وتقريره[65].

1ـ عن سويد بن غفلة قال: قال لي عمر ـــ رضي الله عنه ـــ: ( يا أبا أمية ! إني لا أدري لعلي لا ألقاك بعد عامي هذا، فإن أُمّر عليك عبد حبشي مجدع؛ فاسمع له وأطع، وإن ضربك فاصبر، وإن حرمك فاصبر، وإن أراد أمراً ينقص دينك؛ فقل: سمعاً وطاعة، دمي دون ديني، ولا تفارق الجماعة ). رواه الخلال وابن أبي شيبة[66].

2ـ عن عبد الله بن دينار، قال: لما بايع الناس عبد الملك[67]: كتب إليه عبد الله بن عمر: ( إلى عبد الله عبد الملك، أمير المؤمنين: إني أقر بالسمع والطاعة لعبد الله عبد الملك، أمير المؤمنين، على سنة الله، وسنة رسوله، فيما استطعت، وإن بَنِيّ قد أقروا بذلك ). رواه البخاري[68].

قال عبد الله بن عمرو ـــ رضي الله عنهما ـــ في حق الأمير: ( أطعه في طاعة الله، واعصه في معصية الله ). رواه مسلم[69].

4ـ عن محمد بن المنكدر، قال: لما بويع يزيد بن معاوية، ذُكر ذلك لابن عمر، فقال: ( إن كان خيراً رضينا، وإن كان شراً صبرنا ). رواه ابن أبي شيبة[70].

5ـ عن زيد بن وهب قال: لما بعث عثمان إلى ابن مسعود يأمره بالقدوم إل المدينة، اجتمع الناس فقالوا: أقم، ونحن نمنعك أن يصل إليك شيء تكرهه، فقال: ( إن له علي حق الطاعة، ولا أحب أن أكون أول من فتح باب الفتن ). رواه ابن سعد[71].

6ـ عن الحسن البصري ـــ رحمه الله ـــ قال: ( هم يلون من أمورنا خمساً: الجمعة، والجماعة، والعيد، والثغور، والحدود. والله لا يستقيم الدين إلا بهم، وإن جاروا وظلموا، والله لما يُصلح الله بهم أكثر مما يُفسدون، مع أن طاعتهم ـــ والله ـــ لغبطة، وأن فُرقتهم لكفر )[72].

        7ـ قال الإمام/ أحمد ـــ رحمه الله ـــ: ( ومن خرج على إمام المسلمين، وقد كان الناس اجتمعوا عليه، وأقروا له بالخلافة، بأي وجه كان: بالرضا أو بالغلبة؛ فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين، وخالف الآثار عن رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ، فإن مات الخارج عليه: مات ميتة جاهلية.
        ولا يحل قتال السلطان، ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن فعل ذلك: فهو مبتدع، على غير السنة والطريق )[73].

8ـ قال سهل بن عبد الله التستري ـــ رحمه الله ـــ: ( لا يزال الناس بخير: ما عظموا السلطان والعلماء، فإذا عظموا هذين: أصلح الله دنياهم وأخراهم، وإذا استخفوا بهذين: أفسد دنياهم وأخراهم )[74].

9ـ وسئل ـــ رحمه الله ـــ: ( ما يجب علينا لمن غلب على بلادنا وهو إمام ؟ )، قال: ( تجيبه، وتؤدي إليه ما يطالبك من حقه، ولا تنكر فعاله، ولا تفر منه، وإذا ائتمنك على سر من أمر الدين لم تفشه )[75].

10ـ قال أبو جعفر الطحاوي ـــ رحمه الله ـــ: ( ولا نرى الخروجَ على أئمَّتِنا ووُلاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا نَنْزِعُ يداً مِن طاعتهم، ونرى طاعتَهم مِن طاعة الله عزَّ وجلَّ فريضة، ما لم يأمروا بمعصيةٍ، وندعو لهم بالصّلاح والمعافاة )[76].

11ـ قال أبو عثمان الصابوني ـــ رحمه الله ـــ: ( ولا يرون الخروجَ عليهم، وإن رأوا منهم العدولَ عن العدل إلى الجور والحيف )[77].

12ـ قال الغزالي ـــ رحمه الله ـــ: ( لو تعذر وجود الورع والعلم فيمن يتصدى للإمامة، وكان في صرفه إثارة فتنة لا تطاق: حكمنا بانعقاد إمامته؛ لأنّا بين أن نحرك فتنة بالاستبدال، فما يلقى المسلمون فيه من الضرر يزيد على ما يفوتهم من نقصان هذه الشروط التي أُثبتت لمزية المصلحة، فلا يهدم أصل المصلحة شغفاً بمزاياها، كالذي يبني قصرًا ويهدم مصراً، وبين أن نحكم بخلو البلاد عن الإمام، وبفساد الأقضية، وذلك محال، ونحن نقضي بنفوذ قضاء أهل البغي في بلادهم لمسيس حاجتهم، فكيف لا نقضي بصحة الإمامة عند الحاجة والضرورة ؟ )[78].

13، 14ـ يقول الغزالي ـــ رحمه الله ـــ فيما نقله عنه الشاطبي ـــ رحمه الله ـــ: ( أما إذا انعقدت الإمامة بالبيعة، أو تولية العهد لمنفك عن رتبة الاجتهاد، وقامت له الشوكة، وأذعنت له الرقاب، بأن خلا الزمان عن قرشي مجتهد مستجمع جميع الشرائط: وجب الاستمرار.
وإن قُدر حضور قرشي مجتهد مستجمع للورع والكفاية وجميع شرائط الإمامة، واحتاج المسلمون في خلع الأول إلى تعرض لإثارة فتن، واضطراب أمور: لم يجز لهم خلعه، والاستبدال به، بل تجب عليهم الطاعة له، والحكم بنفوذ ولايته، وصحة إمامته ... فكيف يستجيز العاقل تحريك الفتنة، وتشويش النظام، وتفويت أصل المصلحة في الحال؛ تشوفاً إلى مزيد دقيقة، في الفرق بين النظر والتقليد )
قال الشاطبي ـــ رحمه الله ـــ تعليقاً على كلام الغزالي ـــ رحمه الله ـــ المتقدم: ( هذا ما قال، وهو متجه بحسب النظر المصلحي، وهو ملائم لتصرفات الشرع، وإن لم يعضده نص على التعيين.
وما قرره هو أصل مذهب مالك: قيل ليحيى بن يحيى: البيعة مكروهة ؟ قال: لا، قيل له: فإن كانوا أئمة جور ؟ فقال: قد بايع ابن عمر لعبد الملك بن مروان، وبالسيف أخذ الملك. أخبرني بذلك مالك، عنه، أنه كتب إليه، وأمر له بالسمع والطاعة، على كتاب الله وسنة نبيه. قال يحيى: والبيعة خير من الفرقة. قال: ولقد أتى مالكاً العمريُّ، فقال له: يا أبا عبدالله ! بايعنى أهل الحرمين، وأنت ترى سيرة أبي جعفر، فما ترى ؟ فقال له مالك: أتدري ما الذي منع عمر بن عبد العزيز أن يولي رجلاً صالحاً ؟ فقال العمري: لا أدري، قال مالك: لكني أنا أدري، إنما كانت البيعة ليزيد بعده، فخاف عمر إن ولى رجلاً صالحاً أن لا يكون ليزيد بد من القيام، فتقوم هجمة، فيفسد ما لا يصلح، فصدر رأي هذا العمري على رأي مالك.
فظاهر هذه الرواية: أنه إذا خيف عند خلع غير المستحق، وإقامة المستحق، أن تقع فتنة، وما لا يصلح؛ فالمصلحة في الترك.
وروى البخاري[79] عن نافع، قال: لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية، جمع ابن عمر حشمه وولده، فقال: إني سمعت رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ يقول: (( ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة ))، وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيعة الله ورسوله، وإني لا أعلم أحدًا منكم خلعه، ولا تابع في هذا الأمر، إلا كانت الفيصل بيني وبينه.
قال ابن العربي: وقد قال ابن الخياط: إن بيعة عبد الله ليزيد كانت كرهاً، وأين يزيد من ابن عمر ؟ ولكن رأى بدينه وعلمه التسليم لأمر الله، والفرار عن التعرض لفتنة فيها من ذهاب الأموال والأنفس ما لا يفي بخلع يزيد، لو تحقق أن الأمر يعود في نصابه، فكيف ولا يعلم ذلك ؟.
وهذا أصل عظيم، فتفهموه، والزموه: ترشدوا ـــ إن شاء الله ـــ )[80].

15ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـــ رحمه الله ـــ: ( وأما أهل العلم والدين والفضل: فلا يرخصون لأحد فيما نهى الله عنه من معصية ولاة الأمور وغشهم، والخروج عليهم، بوجه من الوجوه، كما قد عرف من عادات أهل السنة والدين، قديماً وحديثاً، ومن سيرة غيرهم )[81].

16ـ وقال ـــ رحمه الله ـــ: ( وأما ما يقع من ظلمهم وجورهم بتأويل سائغ أو غير سائغ؛ فلا يجوز أن يزال لما فيه من ظلم وجور، كما هو عادة أكثر النفوس، تزيل الشر بما هو شر منه، وتزيل العدوان بما هو أعدى منه؛ فالخروج عليهم: يوجب من الظلم والفساد، أكثر من ظلمهم، فيصبر عليه )[82].

17ـ وقال ـــ رحمه الله ـــ: ( فطاعة الله ورسوله واجبة على كل أحد، وطاعة ولاة الأمور واجبة لأمر الله بطاعتهم.
فمن أطاع الله ورسوله بطاعة ولاة الأمر لله؛ فأجره على الله، ومن كان لا يطيعهم إلا لما يأخذ من الولاية والمال، فإن أعطوه أطاعهم، وإن منعوه عصاهم؛ فما له في الآخرة من خلاق )[83].

18ـ قال ابنُ القيّم ـــ رحمه الله ـــ: ( إنَّ النَّبيَّ ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ شرع لأمَّته إيجاب إنكار المنكر؛ ليحصل بإنكاره مِن المعروف ما يحبُّه اللهُ ورسولُه، فإذا كان إنكارُ المنكر يستلزم ما هو أنكر منه، وأبغض إلى الله ورسوله؛ فإنَّه لا يسوغ إنكارُه، وإن كان اللهُ يُبغضُه ويمقتُ أهلَه، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم؛ فإنَّه أساسُ كلِّ شرٍّ وفتنةٍ إلى آخر الدهر )[84].

        19ـ يقول ابن جماعة الكناني ـــ رحمه الله ـــ: ( للسلطان والخليفة على الأمة عشرة حقوق، ولهم عليه عشرة حقوق، أما حقوق السلطان العشرة: فالحق الأول: بذل الطاعة له ظاهراً وباطناً، في كل ما يأمر به، أو ينهى عنه، إلا أن يكون معصية، قال الله ـــ تعالى ـــ: (( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ))[85]. وأولوا الأمر، هم: الإمام ونوابه، عند الأكثرين، وقيل: هم العلماء. وقال النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ: (( السمع والطاعة على المسلم، فيما أحب أو كره، ما لم يؤمر بمعصية ))[86]. فقد أوجب الله ـــ تعالى ـــ ورسوله طاعة أولي الأمر، ولم يستثن منه سوى المعصية، فبقي ما عداه على الامتثال )[87].

20ـ قال الحافظ/ ابن رجب ـــ رحمه الله ـــ: ( وأمَّا السمعُ والطاعةُ لوُلاة أمور المسلمين، ففيها سعادةُ الدنيا، وبها تنتظم مصالح العباد في معايشِهم، وبها يستعينون على إظهار دينهم، وطاعةِ ربهم )[88].

21ـ قال ابن فرحون ـــ رحمه الله ـــ: ( فرع: ومن تكلم بكلمة، لغير موجب، في أمير من أمراء المسلمين: لزمته العقوبة الشديدة، ويسجن شهراً ... ومن خالف أميرًا، وقد كرر دعوته: لزمته العقوبة، بقدر اجتهاد الإمام )[89].

22ـ يقول صدر الدين/ محمد بن إبراهيم السلمي المناوي ـــ رحمه الله ـــ: ( وقد روينا في الأحاديث الصحاح التي بلغت حد التواتر ـــ أو كادت أن تبلغه ـــ: أمر النبي بالسمع والطاعة لولي الأمر، ومناصحته، ومحبته، والدعاء له، ما لو ذكرناه لطال الكلام.
لكن اعلم ـــ أرشدك الله وإياي إلى الاتباع، وجنبنا الزيغ والابتداع ـــ: أن من قواعد الشريعة المطهرة، والملة الحنيفة المحررة: أن طاعة الأئمة فرض على كل الرعية، وأن طاعة السلطان مقرونة بطاعة الرحمن، وأن طاعة السلطان تؤلف شمل الدين، وتنظم أمر المسلمين، وأن عصيان السلطان يهدم أركان الملة, وأن أرفع منازل السعادة طاعة السلطان، وأن طاعة السلطان عصمة من كل فتنة ونجاة من كل شبهة، وأن طاعة السلطان عصمة لمن لجأ إليها وحرز لمن دخل فيها، وبطاعة السلاطين تقام الحدود، وتؤدى الفرائض، وتحقن الدماء، وتؤمّن السبل، وما أحسن ما قالت العلماء: ( أن طاعة السلطان هدي لمن استضاء بنورها، وموئل لمن حافظ عليها ). وأن الخارج من طاعة السلطان منقطع العصمة من الذمة، وأن طاعة السلطان حبل الله المتين، ودينه القويم، وجُنته الواقية، وأن الخروج منها خروج من أنس الطاعة إلى وحشة المعصية، ومن أسرّ غش السلطان ذل وزل، ومن أخلص له المحبة والنصح حل من الدين والدنيا في أرفع محل.
وقد روينا في الأحاديث الصحاح أمر النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ بالسمع والطاعة لولي الأمر، ومناصحته، ومحبته، والدعاء له، ما لو ذكرناه: لكان بما مله الناظر، وسأمه الخاطر، كما تقدم، فاقتصرنا على ما أوردناه، واكتفينا بما بيناه )[90].

23ـ يقول ابن أبي العز الحنفي ـــ رحمه الله ـــ: ( وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا؛ فلأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات، ومضاعفة الأجور، فإن الله ـــ تعالى ـــ ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل، فعلينا الاجتهاد في الاستغفار، والتوبة، وإصلاح العمل.
قال ـــ تعالى ـــ:  (( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ))[91]، وقال ـــ تعالى ـــ: (( أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم ))[92]، وقال ـــ تعالى ـــ: (( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ))[93]، وقال ـــ تعالى ـــ: (( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون ))[94].
فإذا أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم الأمير الظالم، فليتركوا الظلم.
وعن مالك بن دينار: أنه جاء في بعض كتب الله: (( أنا الله مالك الملك، قلوب الملوك بيدي، فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة، ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة، فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك، ولكن توبوا أعطفهم عليكم ))[95] )[96].

24ـ يقول الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب ـــ رحمه الله تعالى ـــ: ( الأئمة مجمعون من كل مذهب: على أن من تغلب على بلد أو بلدان: له حكم الإمام في جميع الأشياء، ولولا هذا ما استقامت الدنيا؛ لأن الناس من زمن طويل، قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا: ما اجتمعوا على إمام واحد، ولا يعرفون أحدًا من العلماء ذكر شيئاً من الأحكام لا يصح إلا بالإمام الأعظم )[97].

25ـ وفي الدرر السنية: ( إذا فهم ما تقدم من النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية، وكلام العلماء المحققين، في وجوب السمع والطاعة لولي الأمر، وتحريم منازعته والخروج عليه، وأن المصالح الدينية والدنيوية لا انتظام لها إلا بالإمامة والجماعة: تبين أن الخروج عن طاعة ولي الأمر، والافتيات عليه بغزو أو غيره: معصية ومشاقة لله ورسوله، ومخالفة لما عليه أهل السنة والجماعة.
وأما ما قد يقع من ولاة الأمور، من المعاصي والمخالفات، التي لا توجب الكفر، والخروج من الإسلام: فالواجب فيها مناصحتهم على الوجه الشرعي برفق، واتباع ما كان عليه السلف الصالح؛ من عدم التشنيع عليهم في المجالس، ومجامع الناس، واعتقاد أن ذلك من إنكار المنكر الواجب إنكاره على العباد، وهذا غلط فاحش، وجهل ظاهر، لا يعلم صاحبه ما يترتب عليه، من المفاسد العظام في الدين والدنيا، كما يعرف ذلك من نور الله قلبه، وعرف طريقة السلف الصالح، وأئمة الدين )[98].

26ـ يقول الشيخ/ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ـــ رحمه الله ـــ: ( ولم يدر هؤلاء المفتونون: أن أكثر ولاة أهل الإسلام ـــ من عهد يزيد بن معاوية ـــ حاشا عمر بن عبد العزيز ومن شاء الله من بني أمية ـــ قد وقع منهم ما وقع، من الجراءة والحوادث العظام، والخروج والفساد في ولاية أهل الإسلام، ومع ذلك: فسيرة الأئمة الأعلام، والسادة العظام معهم: معروفة مشهورة، لا ينزعون يدًا من طاعة، فيما أمر الله به رسوله، من شرائع الإسلام، وواجبات الدين.
وأضرب لك مثلاً بالحجاج بن يوسف الثقفي، وقد اشتهر أمره في الأمة بالظلم والغشم، والإسراف في سفك الدماء، وانتهاك حرمات الله، وقتل من قتل من سادات الأمة؛ كسعيد بن جبير، وحاصَرَ ابن الزبير، وقد عاذ بالحرم الشريف، واستباح الحرمة، وقتل ابن الزبير، مع أن ابن الزبير قد أعطاه الطاعة، وبايعه عامة أهل مكة والمدينة واليمن، وأكثر سواد العراق، والحجاج نائب عن مروان، ثم عن ولده عبد الملك، ولم يعهد أحد من الخلفاء إلى مروان، ولم يبايعه أهل الحل والعقد، ومع ذلك لم يتوقف أحد من أهل العلم في طاعته، والانقياد له، فيما تسوغ طاعته فيه، من أركان الإسلام وواجباته.
وكان ابن عمر، ومن أدرك الحجاج من أصحاب رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ: لا ينازعونه، ولا يمتنعون من طاعته، فيما يقوم به الإسلام، ويكمل به الإيمان.
كذلك من في زمنه من التابعين، كابن المسيب، والحسن البصري، وابن سيرين، وإبراهيم التيمي، وأشباههم ونظرائهم من سادات الأمة.
واستمر العمل على هذا بين علماء الأمة من سادات الأمة وأئمتها، يأمرون بطاعة الله ورسوله، والجهاد في سبيله، مع كل إمام بر أو فاجر، كما هو معروف في كتب أصول الدين والعقائد.
وكذلك بنو العباس استولوا على بلاد المسلمين قهراً بالسيف، لم يساعدهم أحد من أهل العلم والدين، وقتلوا خلقاً كثيراً، وجمعاً غفيراً، من بني أمية وأمرائهم ونوابهم، وقتلوا ابن هبيرة أمير العراق، وقتلوا الخليفة مروان، حتى نقل أن السفاح قتل في يوم واحد: نحو الثمانين من بني أمية، ووضع الفرش على جثثهم وجلس عليها، ودعا بالمطاعم والمشارب.
ومع ذلك: فسيرة الأئمة كالأوزاعي، ومالك، والزهري، والليث بن سعد، وعطاء بن أبي رباح، مع هؤلاء الملوك لا تخفى على من له مشاركة في العلم واطلاع.
والطبقة الثانية من أهل العلم، كأحمد بن حنبل، ومحمد بن إسماعيل، ومحمد بن إدريس، وأحمد بن نصر، وإسحق بن راهويه، وإخوانهم، وقع في عصرهم من الملوك ما وقع من البدع العظام، وإنكار الصفات، ودعوا إلى ذلك، وامتحنوا فيه وقتل من قتل، كأحمد بن نصر، ومع ذلك، فلا يعلم أن أحداً منهم نزع يداً من طاعة، ولا رأى الخروج عليهم )[99].

        27ـ يقول الشيخ/ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ـــ رحمه الله ـــ: ( قال ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ: (( الدين النصيحة ))، كررها ثلاثاً، قالوا: لمن يا رسول الله ؟ قال: (( لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم )). رواه مسلم[100].
        فجعل ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ الدين محصورًا بهذه الأمور الخمسة، التي تجمع بين الدنيا والآخرة؛ لأنها تتضمن: القيام بحق الله، ومعرفته، وعبادته. والقيام بحق رسوله، وتقديم محبته وطاعته على كل أحد، واتباعه ظاهرًا وباطناً. والقيام بحق ولاة أمور المسلمين، وعامتهم، بالنصح لهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه، ويسعى في مصالحهم كما يسعى لمصلحة نفسه، بل قيامه بمصالحهم عائد إلى نفسه بالخير والسعادة؛ فإنها لا تقوم الأمور الخاصة إلا بقيام الأمور العامة، ولا تصلح الأمور الجزئية إلا بصلاح الأمور الكلية، ولا يمكن ذلك إلا بالاجتماع والتآلف والنصح بين الراعي والرعية.
        وكل من هؤلاء راع ومسؤول عن رعيته: فالولاة عليهم القيام بما يستطيعونه من العدل، والرحمة، والعناية، والشفقة على رعيتهم، وعنايتهم بجميع ما ينفعهم، ودفع ما يضرهم. والرعية عليها السمع والطاعة، ومساعدة المتولين لهم على البر والتقوى، ولزوم طاعتهم، وحث الناس على ذلك، والتحذير من غشهم، الذي يعود عليهم وعلى غيرهم بالشرور المتنوعة.
        ولذلك حث الله ورسوله على طاعة ولاة الأمور، والنصح لهم، وحذر من غشهم، والقيام عليهم؛ لما في ذلك من ضرر الدين والدنيا، وهو من أكبر سلاح الأعداء؛ فإن الأعداء يسعون لإثارة الفتن بين المسلمين، وإغراء الأغرار الذين لا خلاق لهم بذلك، وإحداث الثورات الموهنة للإسلام والمسلمين، وتبريرهم ذلك بطلب حقوقهم، وهذا محادة لله ولرسوله، وخيانة للدين والبلاد والمجتمع، فالشارع يحث الناس على لزوم الطاعة والسكينة، مع بذل النصيحة، ويأمر بالصبر على طاعة الولاة، حتى ولو جاروا، ولكنه يأمر بالصبر، ويأمر مع ذلك بالنصيحة لولاة الأمور؛ لأن هذا أصل الخير، وبذلك تندفع شرور كثيرة.
        وأما الثورات، والقدح في الولاة، والسعي فيما يتفرع عن ذلك: فيترتب عليه شرور كثيرة، قد رأى الناس آثارها؛ لهذا حذر الشارع منها أعظم تحذير، ولا يسعى بذلك إلا من لا دين له، ولا خلق، ولا إنسانية وأمانة، بل ولا عقل صحيح؛ فإن الإنسان وإن لم يكن معه دين؛ فالعقل الصحيح يأمر بالمدافعة عن القوم والأحساب والأوطان، وينهى عن كل ما ينافي ذلك، كما قال ـــ تعالى ـــ عن المنافقين: (( ولِيَعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا ))[101]. فإن هؤلاء المنافقين نصحوا بأمرين: إما أن يكون لهم دين صحيح، فيقاتلوا في سبيل الله، أو يكون لهم إنسانية وعقل، فيدافعوا عن أحسابهم.
        فمن لا دين له، ولا عقل؛ فهو أضل من الأنعام، فكيف مع هذا إذا أعان أعداء الإسلام والمسلمين، وانخدع بتغريرهم وإغرائهم وأطماعهم ؟! فهذا أشد الناس جرماً، وأعظمهم ظلماً، وأبلغهم غياً وضلالاً، لهذا يجب على المسلمين الحذر والتحذير ممن هذه صفته، وقمع شره بكل وسيلة )[102].


وختاماً:
        فهذه نماذج من الوحيين، وكلام سلف الأمة الماضين، والعلماء الراسخين: في تقرير أصل من أصول أهل السنة والجماعة، في الاعتقاد والمنهج، لا يسع الناظر المتجرد فيها إلا التسليم والانقياد، ثم التشمير ـــ تعبدًا لله ـــ جل جلاله ـــ، لنشر فقه هذا الأصل في الأمة، التي أصابها ما أصابها من جراء مخالفة الهدى والرشاد.
يقول الله ـــ عز وجل ـــ: (( إن في ذلك لذكرى من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ))[103].
        والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيه محمد، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثرهم إلى يوم الدين.











المصادر والمراجع:

1.     128 مسألة من مسائل الجاهلية، لشيخ الإسلام/ محمد بن عبد الوهاب، دار القاسم، المملكة العربية السعودية ـــ الرياض، 1416ه.
2.     إحياء علوم الدين، لأبي حامد الغزالي. الشاملة.
3.     إعلام الموقعين عن رب العالمين، لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر، ابن قيم الجوزية، دار الجيل، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، لبنان ـــ بيروت، 1973م.
4.     الإصابة في تمييز الصحابة، لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الجيل، لبنان ـــ بيروت، 1412ه.
5.     الاعتصام، لأبي إسحاق الشاطبي، المكتبة التجارية الكبرى، جمهورية مصر العربية.
6.     الأموال، لحميد بن زنجويه، تحقيق: شاكر ذيب فياض، مركز فيصل للبحوث. الشاملة.
7.    تهذيب الرياسة وترتيب السياسة، لأبي عبد الله القلعي، تحقيق: إبراهيم يوسف ومصطفى عجو، مكتبة المنار، الأردن ـــ الزرقاء.
8.     الجامع الصحيح، لأبي الحسين مسلم بن الحجاج، دار الجيل، لبنان ـــ بيروت، دار الآفاق الجديدة، لبنان ـــ بيروت.
9.     الجامع الصحيح، لمحمد بن إسماعيل البخاري، مرقم حسب ترقيم فتح الباري، دار الشعب، جمهورية مصر العربية ـــ القاهرة، 1407ه ـــ 1987م.
10.                        الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبد الله القرطبي، تحقيق: أحمد البردوني، وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية، جمهورية مصر العربية ـــ القاهرة، ط2، 1384ه ـــ 1964م.
11.                        الدرر السنية في الكتب النجدية، تأليف مجموعة من العلماء، جمع وتحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، ط 6، 1417ه ـــ 1996م. الشاملة.
12.                        السنة، لأبي بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال، تحقيق: عطية بن عتيق الزهراني، دار الراية، المملكة العربية السعودية ـــ الرياض، ط2، 1994م.
13.                        السنة، لعمرو بن أبي عاصم الضحاك الشيباني، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، لبنان ـــ بيروت، 1400ه.
14.                        المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي. الشاملة.
15.                        تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، لإبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون. الشاملة.
16.                        تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام، لابن جماعة الكناني، تحقيق: د. فؤاد عبد المنعم أحمد، دار الثقافة بتفويض من رئاسة المحاكم الشرعية، دولة قطر ـــ الدوحة، 1408ه ـــ 1988م.
17.                        تفسير القرآن العظيم، لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، تحقيق: سامي بن محمد سلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، ط 2، 1420ه ـــ 1999م.
18.                        تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبد الرحمن بن ناصر السعدي، تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة، 1420ه ـــ 2000م.
19.                        جامع الأصول في أحاديث الرسول، لأبي السعادات المبارك بن محمد الجزري، المعروف بابن الأثير، تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط، مكتبة الحلواني ـــ مطبعة الملاح ـــ مكتبة دار البيان، نشرت أجزاء الكتاب على تواريخ مختلفة ابتداء من 1969م إلى 1972م.
20.                        جامع الترمذي، لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي، تحقيق: أحمد شاكر وآخرون، دار إحياء التراث العربي، لبنان ـــ بيروت.
21.                        جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم، لأبي الفرج عبد الرحمن، الشهير بابن رجب، تحقيق: د. ماهر ياسين الفحل. الشاملة.
22.                        سبل السلام، لمحمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، ط 4، 1379ه ـــ 1960م.
23.                        سنن ابن ماجه، لأبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني، كتب حواشيه: محمود خليل، مكتبة أبي المعاطي.
24.                       السنة، لأبي بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال، تحقيق: عطية بن عتيق الزهراني، دار الراية، المملكة العربية السعودية ـــ الرياض، ط 2، 1994م.
25.                        شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة، لأبي القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور اللالكائي، تحقيق: د. أحمد سعد حمدان، دار طيبة، المملكة العربية السعودية ـــ الرياض، 1402ه.
26.                        شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز الحنفي، تحقيق: أحمد شاكر، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، المملكة العربية السعودية ـــ الرياض، 1418ه.
27.                        شعب الإيمان، لأحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق: د. عبد العلي عبد الحميد، مكتبة الرشد، المملكة العربية السعودية ـــ الرياض، بالتعاون مع: الدار السلفية، الهند ـــ بومباي، 1423ه ـــ 2003م.
28.                        صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، لأبي حاتم محمد بن حبان بن أحمد البستي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، لبنان ـــ بيروت، ط 2، 1414ه ـــ 1993م.
29.                        طاعة السلطان وإغاثة اللهفان، لصدر الدين محمد بن إبراهيم السلمي، دار ابن حزم، لبنان ـــ بيروت، 1420ه.
30.                        ظلال الجنة في تخريج السنة لابن أبي عاصم، لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، لبنان ـــ بيروت، ط3، 1413ه ـــ 1993م.
31.                        عقيدة السلف أصحاب الحديث، لأبي عثمان الصابوني. الشاملة.
32.                        فتح الباري شرح صحيح البخاري، لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار المعرفة، لبنان ـــ بيروت، 1379ه.
33.                       فيض القدير شرح الجامع الصغير، لزين الدين عبد الرؤوف المناوي، دار الكتب العلمية، لبنان ـــ بيروت، 1415ه ـــ 1994م.
34.                        مجموع الفتاوى، لأبي العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، تحقيق: أنور الباز وعامر الجزار، دار الوفاء، ط 3، 1426ه ـــ 2005م. الشاملة.
35.                        مسند أحمد بن حنبل، لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، مؤسسة الرسالة. الشاملة.
36.                        مصنف ابن أبي شيبة، لأبي بكر عبد الله بن أبي شيبة الكوفي، تحقيق: محمد عوامة. الشاملة.
37.                        معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة، تأليف/ عبد السلام بن برجس العبد الكريم، مكتبة الفرقان، دولة الإمارات العربية المتحدة ـــ إمارة عجمان، ط 6، 1422ه ـــ 2001م.
38.                       المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، لعبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، دار الفكر، لبنان ـــ بيروت، 1405ه.
39.                        مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة، لمحمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، دار الكتب العلمية، لبنان ـــ بيروت.
40.                        موطأ الإمام مالك، لأبي عبد الله مالك بن أنس الأصبحي، رواية يحيى الليثي، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، جمهورية مصر العربية.
41.                        نصيحة في الحث على التمسك بالدين وعلومه والتحذير من ضد ذلك، ضمن مجموع مؤلفات الشيخ عبد الرحمن السعدي. النت.
42.                       النهاية في غريب الحديث والأثر، لأبي السعادات المبارك بن محمد الجزري، المعروف بابن الأثير، تحقيق: طاهر الزاوي ومحمود الطناحي، المكتبة العلمية، لبنان ـــ بيروت، 1399ه ـــ 1979م. ترقيم الشاملة.




[1] وما أورده من نصوص أو آثار ونقول في موضع متقدم لمناسبة: لا أعيده في موضعه من الرسالة إلا نادرًا، فما أوردته في المقدمة من نصوص وآثار ونقول: لا أورده في مبحث النصوص والآثار والنقول بعد ذلك، وما أوردته في مبحث النصوص من آثار ونقول لمناسبة شرح حديث ونحوه: لا أعيده كذلك في موضعه بعد ذلك.
[2] كما سيأتي بيان معنى كلمة: ( النصح )، الواردة في النصوص.
[3] والحقيقة أن أفضل ما كتب في هذا الباب فيما أعلم: كتاب: ( معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة )، تأليف: د. عبد السلام بن برجس العبدالكريم، وقد قال في آخره: ( لقد كتبت هذا الكتاب: لله ـــ عز وجل ـــ، وإني لأرجوه في أفضل أعمالي؛ إذ به أذب عن أسوار الأمة أن تثلم، وعن أبنائها أن يتخطفهم شياطين الجن والإنس. كتبت هذا الكتاب: حماية للأمة من الفتن، وصيانة للعقيدة أن تخدش. لقيت نَصَباً في بحث مسائله، وتحرير فوائده، واقتناص أوابده، حتى جاء جامعاً لما لم يُجمع قبله في كتاب: (( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون )). فلما نشرته للناس: أثنى عليه أهل الفضل، من العلماء، وطلاب العلم ... ). 199.
[4] موطأ مالك، برقم: 1796. مسند أحمد، برقم: 8799. وسيأتي الحديث بتمامه.
[5] 3 ـــ 7.
[6] رواه البيهقي، شعب الإيمان، 10/ 15.
[7] المغني، لابن قدامة، 11/ 374.
[8] السنة، للخلال، 1/ 81.
[9] تهذيب الرياسة، 7 ـــ 8.
[10] الجامع لأحكام القرآن، 1/ 264.
[11] سورة: النساء، الآية: 59.
[12] تفسير القرآن العظيم، 2/ 345.
[13] المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، 6/ 308.
[14] أي: القضاة، الذين يتولون الحكم في الأقضية بين الناس.
[15] أي: أنه قال: وأطيعوا الرسول، لكنه لم يقل: وأطيعوا أولي الأمر، بل قال: وأولي الأمر، فلم يكرر لفظة ( وأطيعوا )، واكتفى بالعطف.
[16] تيسير الكريم الرحمن، 183.
[17] صحيح البخاري، برقم: 7144. صحيح مسلم، برقم: 4869.
[18] صحيح مسلم، برقم: 4860.
[19] جامع الأصول، 4/ 66.
[20] المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، 6/ 310.
[21] صحيح البخاري، برقم: 7056. صحيح مسلم، برقم: 4877.
[22] صحيح ابن حبان، برقم: 4562. قال شعيب الأرناؤوط: ( إسناده حسن ).
[23] النهاية، 1/ 452.
[24] صحيح البخاري، برقم: 7145، 7257. صحيح مسلم، برقم: 4871، 4872.
[25] صحيح البخاري، برقم: 7202. صحيح مسلم، برقم: 210.
[26] صحيح مسلم، برقم: 1499، 4861.
[27] صحيح ابن حبان، برقم: 5964. قال الأرناؤوط: ( إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين، غير عبد الله بن الصامت فمن رجال مسلم ). ورواه أحمد في مسنده، برقم: 21501، من غير ذكر القصة.
[28] فتح الباري، 13/ 122.
[29] صحيح البخاري، برقم: 693، 7142.
[30] السنة، لابن أبي عاصم، برقم: 1056. وجود إسناده الألباني، ظلال الجنة، 2/ 246. وانظره في: مسند أحمد، برقم: 16874.
[31] السنة، لابن أبي عاصم، برقم: 1069. وصححه الألباني، ظلال الجنة، 2/ 254.
[32] صحيح البخاري، برقم: 7054، 7143. صحيح مسلم، برقم: 4896، 4897.
[33] يشير إلى حديث عبادة بن الصامت ـــ رضي الله عنه ـــ المتقدم ذكره قريباً، برقم: 4، من هذا البحث.
[34] فتح الباري، 13/ 7.
[35] صحيح مسلم، برقم: 4892.
[36] كذا بالعين، بحسب اللفظ الذي أورده في شرحه.
[37] سبل السلام، 3/ 258.
[38] صحيح مسلم، برقم: 4899.
[39] صحيح مسلم، برقم: 4891.
[40] صحيح مسلم، برقم: 4888، 4889.
[41] صحيح البخاري، برقم: 3603، 7052. صحيح مسلم، برقم: 4881.
[42] المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، 6/ 317.
[43] صحيح البخاري، برقم: 3792. صحيح مسلم، برقم: 4885.
[44] صحيح مسلم، برقم: 4910، 4911.
[45] صحيح مسلم، برقم: 4907.
[46] صحيح مسلم، برقم: 4882.
[47] صحيح البخاري، برقم: 2957، 7137. صحيح مسلم، برقم: 4852، 4854.
[48] فتح الباري، 13/ 112.
[49] صحيح مسلم، برقم: 205.
[50] أي: حث الغير، أي: الناس الآخرين غيرك. فكما أنك تلتزم بهذه الأمور، فكذلك تحث غيرك على الالتزام بها.
[51] جامع العلوم والحكم، 9/ 11.
[52] موطأ مالك، برقم: 1796. مسند أحمد، برقم: 8799.
[53] جامع الترمذي، برقم: 2658. سنن ابن ماجه، برقم: 230، 3056. مسند أحمد، برقم: 16754، 21924.
[54] وهنا تنبيه يتعلق بنوع من أنواع نصيحة ولاة الأمر ـــ وقد تقدم بيان المعنى الجامع للنصيحة ـــ، وهو نوع: أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، فهذا: لا يكون إلا بالسر، فنفس المنكر ينكر علناً، لكن ولي الأمر لا يجابه بالإنكار، ولا يذكر في معرض الإنكار، بدلالة حديث عياض بن غنم، عن رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ، قال: (( من أراد أن ينصح السلطان بأمر: فلا يُبدِ له علانية، ولكن ليأخذ بيده، فيخلو به، فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه )). رواه أحمد، برقم: 15333. وصححه الألباني، ظلال الجنة، 2/ 273.
[55] مفتاح دار السعادة، 1/ 72 ـــ 73.
[56] مسند أحمد، برقم: 22093. وصححه الألباني، ظلال الجنة، 2/ 222.
[57] هكذا في السنة لابن أبي عاصم، بالمغايرة بين اللفظين: أكرم الله، بلا هاء بعد الميم، وأهانه الله، بهاء بعد النون.
[58] السنة، لابن أبي عاصم، برقم: 1024. وحسنه الألباني، ظلال الجنة، 2/ 224.
[59] السنة، لابن أبي عاصم، برقم: 1025. وقال الألباني: ( حديث حسن، وهو مكرر الحديث السابق ). ظلال الجنة، 2/ 225.
[60] جامع الترمذي، برقم: 2224. وقال: ( هذا حديث غريب ). قال الألباني: ( صحيح ).
[61] فيض القدير، 1/ 565.
[62] من التعزير، وهو: التعظيم والنصرة.
[63] السنة، لابن أبي عاصم، برقم: 1079. وصححه الألباني، ظلال الجنة، 2/ 261.
[64] السنة، لابن أبي عاصم، برقم: 1061. وصححه الألباني، ظلال الجنة، 2/ 249.
[65] ولم أعتن بذكر قول من صحح الآثار؛ لأن أمر الآثار على التساهل عند أهل العلم، مادامت موافقة للوحيين، وقد سلكت في الآثار والنقول عن الأئمة مسلك الانتقاء والاختصار؛ لأنه لا يمكن الإحاطة بها، وانتقيت أقوالاً متنوعة على اختلاف الطبقات الزمنية، من زمن الصحابة إلى قريب يومنا هذا، وراعيت كذلك تنوع المدارس العلمية للمنقول عنهم من أهل العلم.
[66] السنة، برقم: 54. مصنف ابن أبي شيبة، برقم: 34400.
[67] يعني: الخليفة عبد الملك بن مروان.
[68] صحيح البخاري، برقم: 7205.
[69] صحيح مسلم، برقم: 4882.
[70] مصنف ابن أبي شيبة، برقم: 31216.
[71] كما في: الإصابة، لابن حجر، 4/ 235.
[72] جامع العلوم والحكم، لابن رجب، 30/ 11. والمراد بالكفر ـــ هنا ـــ، الكفر الذي لا يخرج من الملة، كما هو متقرر عند أهل العلم.
[73] شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، للالكائي، 1/ 161.
[74] تفسير القرطبي، 5/ 260.
[75] تفسير القرطبي، 1/ 269.
 [76] شرح الطحاوية، لابن أبي العز، 1/ 371.
[77] عقيدة السلف أصحاب الحديث، 1/ 32.
[78] إحياء علوم الدين، 1/ 224.
[79] صحيح البخاري، برقم: 7111.
[80] الاعتصام، للشاطبي، 2/ 127 ـ 129.
[81] مجموع الفتاوى، 35/ 12.
[82] مجموع الفتاوى، 28/ 179 ـــ 180.
[83] مجموع الفتاوى، 35/ 16.
[84] إعلام الموقعين، 3/ 4.
[85] سورة: النساء، الآية: 59.
[86] تقدم تخريجه في هذا البحث في: ( أولاً )، برقم: 2.
[87] تحرير الأحكام، 61 ـ 62.
[88] جامع العلوم والحكم، 30/ 11.
[89] تبصرة الحكام، 5/ 304.
[90] طاعة السلطان، 45.
[91] سورة: الشورى، الآية: 30.
[92] سورة: آل عمران، الآية: 165.
[93] سورة: النساء، الآية: 79.
[94] سورة: الأنعام، الآية: 129.
[95] مصنف ابن أبي شيبة، برقم: 35359، 35401.
[96] شرح الطحاوية، 1/ 373 ـــ 374.
[97] الدرر السنية، 12/ 2.
[98] الدرر السنية، 12/ 120.
[99] الدرر السنية، 10/ 389 ـــ 391.
[100] صحيح مسلم، برقم: 205. وقد تقدم الكلام عليه في هذا البحث، في: ( أولاً )، برقم: 22.
[101] سورة: آل عمران، الآية: 167.
[102] نصيحة في الحث على التمسك، ضمن مجموع مؤلفات السعدي، 26/ 148 ـــ 150.
[103] سورة: ق، الآية: 37.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق