الأربعاء، 22 يونيو 2016

سلسلة ( المعنى الإجمالي ) 5/ 6: لا يعلم الغيب إلا الله

لا يعلم الغيب إلا الله

أولاً: النصوص القرآنية والنبوية الواردة:

1ـ قال الله ـ تبارك وتعالى ـ : (( إن الله عالم غيب السماوات والأرض إنه عليم بذات الصدور ))[1].
2ـ وقال ـ سبحانه ـ : (( قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله ))[2].
3ـ وقال : (( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا * إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدًا * ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددًا ))[3] [4].
4ـ وقال ـ عز وجل ـ : (( وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء ))[5].
5ـ وقال ـ عز مِن قائل ـ : (( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ))[6].
ومفاتح الغيب خمسة؛ فسرها ـ سبحانه ـ بقوله :
6ـ (( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدًا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير ))[7].
7ـ عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : (( مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله : لا يعلم ما تغيض الأرحام[8] إلا الله، ولا يعلم ما في غدٍ إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطرُ أحدٌ إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله )) رواه البخاري[9].
8ـ عن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : من حدثك أنه ـ تعني : النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعلم الغيب فقد كذب، وهو يقول: لا يعلم الغيب إلا الله. رواه البخاري ومسلم[10].
ولفظ مسلم : قالت : من زعم أنه يخبر بما يكون في غدٍ فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول : (( قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله )) .

ثانياً : المعنى الإجمالي :

          إن من الأصول الشرعية، التي قام عليها دين الإسلام؛ أنه لا يعلم الغيب إلا الله ـ عز وجل ـ، فلا يعلم الغيب أحد، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا ولي صالح ولا ساحر ولا كاهن ولا عراف ولا جني، إنما يختص الله ـ عز وجل ـ بعلمه، إلا أن الله ـ تبارك وتعالى ـ أطلع من ارتضاه للرسالة، دون غيرهم من البشر، على ما شاء من الغيب، وليس على الغيب كله، وهذا الغيب هو الغيب الحقيقي الذي يغيب عن الحواس والعقول كلها.
أما ما يغيب عن بعض المخلوقين دون بعض؛ فهذا يسمى الغيب النسبي، ولا يدخل في النصوص السابقة[11].
ولترسيخ هذا المعنى في نفوس الناس؛ أبطل الإسلام كل طريق يدَّعي البشر أنهم يعلمون الغيب الحقيقي من خلاله.
فأبطل الإسلام إتيان الكهان والعرافين؛ الذين يخبرون عن المغيبات في المستقبل، أو يخبرون عما في الضمير، فعن إحدى أمهات المؤمنين ـ رضي الله عنهن ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال : (( من أتى عرافاً فسأله عن شيء؛ لم تقبل له صلاة أربعين يوماً[12] )) . رواه مسلم[13] . وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : (( من أتى كاهناً فصدقه بما يقول؛ فقد كفر بما أنزل على محمد )). رواه أبوداود[14].
ومن ذلك النظر في الأبراج، وقراءة الكف، وقراءة الفنجان، استدلالاً بذلك على مستقبل الإنسان؛ من سعادة أو شقاوة، إلى آخر الأنواع التي اختلقها البشر يدَّعون بها التوصل إلى علم الغيب الذي اختص الله ـ عز وجل ـ به.
وأبطل الإسلام التطير ـ كذلك ـ، والطِّيَرة شيء يعرض على القلب بسبب شيء يحدث أمامه، يجعله ـ مثلاً ـ لا يقدم على الأمر الذي كان عازماً عليه، مثل: أن يرى الإنسان غراباً أو حادث سيارة أو خصومة بين اثنين؛ فيقول: لن أوفق اليوم في تجارتي أو في سفرتي، فيترك العمل، أو يؤجل السفر، فهذا من الطيرة، عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : (( الطير شرك، الطيرة شرك )) ثلاثاً . رواه أبو داود[15]. ورواه الترمذي[16] وصححه، ولفظه : (( الطيرة من الشرك)) . وعن عبدالله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال : (( من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك )) . قالوا : فما كفارة ذلك ؟ قال : (( أن تقول : اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك )) . رواه أحمد[17].
فالواجب على المسلم؛ أن يبتعد عن كل طريق من طرق استكشاف المستقبل، والاطلاع على المغيبات؛ سوى طريق الكتاب والسنة، فإن ما عدا الوحي؛ أوهام وخرافات، ينبغي للإنسان أن ينزه عقله عن الهبوط إليها، وأن يتجنب كل سبيل من سبل إغواء الشياطين للبشر.
نسأل الله ـ عز وجل ـ بمنه وكرمه وإحسانه؛ أن يَهَبَنا كمال التوكل عليه، والتسليم لشرعه، والانقياد لأوامره، وأن يجنبنا سبل الضلال والغواية، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.





[1] فاطر 38.
[2] النمل 65.
[3] الجن 26ـ28.
[4] قال ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ: والمعنى: أن من ارتضاه للرسالة أطلعه على ما شاء من غيبه. زاد المسير، 8/385، المكتب الإسلامي.
[5] آل عمران 179.
[6] الأنعام 59.
[7] لقمان 34.
[8] قال قتادة وابن عباس: أي: ما تسقط قبل التسعة الأشهر. انظر ـ هذا القول والأقوال الأخرى ـ : تفسير القرطبي، 12/17، مؤسسة الرسالة.
[9] صحيح البخاري ـ كتاب التوحيد ـ باب قول الله ـ تعالى ـ : (( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا )). ـ حديث رقم 7379.
[10] صحيح البخاري ـ كتاب التوحيد ـ باب قول الله ـ تعالى ـ : (( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا )). ـ حديث رقم 7380. صحيح مسلم ـ كتاب الإيمان ـ باب معنى قول الله ـ عز وجل ـ : (( ولقد رآه نزله أخرى )) وهل رأى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ربه ليلة الإسراء ـ حديث رقم 177.
[11] انظر في ذلك ـ على سبيل المثال ـ: كلام ابن أبي جمرة . فتح الباري لابن حجر 13/365.
[12] قال النووي ـ رحمه الله ـ : وأما عدم قبول صلاته فمعناه أنه لا ثواب له فيها، وإن كانت مجزئة في سقوط الفرض عنه، ولا يحتاج معها إلى إعادة. المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج ـ 14/227 ـ دار الفكر.
[13] صحيح مسلم ـ كتاب السلام ـ باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان ـ حديث رقم 2230.
[14] سنن أبي داود ـ كتاب الكهانة والتطير ـ باب في الكهان ـ حديث رقم 3904.
[15] سنن أبي داود ـ كتاب الكهانة والتطير ـ باب في الطيرة ـ حديث رقم 3910.
[16] جامع الترمذي ـ أبواب السير عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ باب ما جاء في الطيرة ـ حديث رقم 1614.
[17] مسند الإمام أحمد بن حنبل 2/220.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق